والمؤاخاة التي كانت بينهم، كما قال ابن عباس وغيره: كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه؛ للأخوّة التي آخى بينهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وكذا قال سعيد بن جبير وغير واحد من السّلف والخلف. وقد أورد فيه ابن أبي حاتم حديثا عن الزبير بن العوام فقال رضي الله عنه: أنزل الله عزّ وجل فينا خاصّة
معشر قريش والأنصار وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان، فواخيناهم ووارثناهم، فآخى أبو بكر رضي الله عنه خارجة بن زيد. وآخى عمر رضي الله عنه فلانا، وآخى عثمان رضي الله عنه رجلا من بني زريق بن سعد الزرقي، ويقول بعض الناس غيره، قال الزبير رضي الله عنه: وواخيت أنا كعب بن مالك، فجئته فابتعلته، فوجدت السلاح قد ثقله فيما يرى، فو الله يا بنيّ لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري، حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فينا معشر قريش- والأنصار خاصة- فرجعنا إلى مواريثنا).
٨ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ .. ]
بمناسبة قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ... قال ابن كثير:(فبدأ في هذه الآية بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، ثم رتّبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم. روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ الآية: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «كنت أوّل النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم». سعيد بن بشير- أحد رجال السند- فيه ضعف، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرسلا وهو أشبه، ورواه بعضهم عن قتادة موقوفا والله أعلم. وروى أبو بكر البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خيار ولد آدم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وخيرهم محمد صلّى الله عليه وسلم. موقوف وحمزة- أحد رجال السند- فيه ضعف. وقد قيل إن المراد بهذا الميثاق الذي أخذ منهم حين أخرجوا في صورة الذرّ من صلب آدم عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: ورفع أباهم آدم فنظر إليهم يعني ذريته، وإن فيهم الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك، فقال: ربّ لو سوّيت بين عبادك فقال:
إني أحببت أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النّور، وخصوا بميثاق آخر من الرسالة والنبوة، وهو الذي يقول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وهذا قول مجاهد أيضا، وقال ابن عباس: الميثاق الغليظ: العهد). ولننتقل إلى المقطع الثاني في السورة.