وأيما داعية لا يصدق فعله قوله. فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب. مهما تكن كلماته بارعة وعباراته بليغة. فالكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال ويؤيدها العمل. هي الكلمة المثمرة التي تحرك الآخرين إلى العمل.
والذين كانوا يقترحون أن يكون الرسول من الملائكة، كالذين يقترحون اليوم أن يكون الرسول منزها عن انفعالات البشر .. كلهم يتعنتون ويغفلون عن هذه الحقيقة وهي أن الملائكة لا يحيون حياة البشر بحكم تكوينهم ولا يمكن أن يحيوها .. لا يمكن أن يحسوا بدوافع الجسد ومقتضياته، ولا بمشاعر هذا المخلوق الآدمي ذي التكوين الخاص.
وأن الرسول يجب أن يحس بهذه الدوافع والمشاعر. وأن يزاولها في حياته الواقعية ليرسم بحياته دستور الحياة العملي لمتبعيه من الناس.
وهنالك اعتبار آخر، وهو أن شعور الناس بأن الرسول ملك لا يثير في نفوسهم الرغبة في تقليده في جزئيات حياته، لأنه من جنس غير جنسهم، وطبيعة غير طبيعتهم، فلا مطمع لهم في تقليد منهجه في حياته اليومية. وحياة الرسل أسوة دافعة لغيرهم من الناس.
وهذا وذلك فوق ما في ذلك الاقتراح من غفلة عن تكريم الله للجنس البشري كله، باختيار الرسل منه. ليتصلوا بالملإ الأعلى ويتلقوا عنه، لذلك كله اقتضت سنة الله الجارية اختيار الرسل من البشر، وأجرت عليهم كل ما يجري على البشر من ولادة وموت، ومن عواطف وانفعالات، ومن آلام وآمال، ومن أكل للطعام ومعاشرة للنساء، وجعلت أكبر الرسل وأكملهم وخاتمهم وصاحب الرسالة الباقية فيهم ...
أكمل نموذج لحياة الإنسان على الأرض بكل ما فيها من دوافع وتجارب وعمل وحياة)
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور سورة الأنبياء هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
ونلاحظ في الآية الأخيرة أن قوله تعالى ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ فيه إنذار لهم أن يصيبهم ما أصاب الأولين، دل ذلك على أن كون النتيجة أن هؤلاء الكافرين لا يؤمنون لا يعني هذا أنهم لا ينذرون، بل الإنذار لا بد منه لإقامة الحجة عليهم، ومن ثم أمر الله رسوله أن ينذر وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ