للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انقضاء آجالهم، فإذ كان الأمر كذلك فليسارع إلى الإيمان من يريد النجاة،

ثم لفت الله النظر إلى الحكمة الكلية في وجود كفر وإيمان. وأن هذا إنما هو بمشيئته فقال: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ يا محمد لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً فيما جئتهم به ولكن له حكمة فيما يفعله، ومن حكمته أنه لم يشأ، وترك المسألة لاختيار الإنسان أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ بأن تلزمهم وتلجئهم حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي ليس ذلك عليك ولا إليك، فلا إكراه في الدين، وخلق الهداية لله، وقد جرت سنة الله أن لا يهدي الفاسقين والظالمين والمتكبرين والمتجبرين

وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بإرادته وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ أي الخبال والضلال عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ حجج الله وأدلته، فهو العادل في هداية من يهديه وإضلال من يضله، وهكذا بينت هذه الآيات بعض حكم الإضلال، وهي عدم العقل عن الله من المخاطبين، وشكهم بالحق الواضح، وتكذيبهم للآيات البينة.

وأنذرت أن يصيب المكذبين عذابه الذي إذا جاء لا يرد ولا ينفع معه إيمان، وبينت أن الاستثناء الوحيد إنما كان لقرية يونس ليعرف أن مشيئة الله مطلقة، وقد بينت الآيات في أكثر من مقام طلاقة المشيئة الإلهية. ليقبل الإنسان على الله بقلب مخبت خائف وجل راغب راهب.

[فوائد]

١ - قال الألوسي في قصة قوم يونس: (وكان من قصة هؤلاء القوم على ما روي عن غير واحد أن يونس عليه السلام بعث إلى أهل نينوى من أرض الموصل، وكانوا أهل كفر وشرك، فدعاهم إلى الإيمان بالله تعالى وحده، وترك ما يعبدون من الأصنام، فأبوا عليه وكذبوه، فأخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث. فلما كانت الليلة الثالثة ذهب عنهم من جوف الليل، فلما أصبحوا تغشاهم العذاب، فكان فوق رءوسهم ليس بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، وجاء أنه غامت السماء غيما أسود هائلا يدخن دخانا شديدا، فهبط حتى غشى مدينتهم، واسودت أسطحتهم، فلما أيقنوا بالهلاك طلبوا نبيهم فلم يجدوه، فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم، ولبسوا المسوح وأظهروا الإيمان والتوبة، وفرقوا بين الوالدة وولدها من الناس والدواب، فحن البعض إلى البعض، وعلت الأصوات، وعجوا جميعا، وتضرعوا إليه تعالى، وأخلصوا النية؛ فرحمهم ربهم، واستجاب دعاءهم، وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>