قال ابن مسعود: إنه بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم، حتى إن كان الرجل ليأتي إلى الحجر قد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه ويرده إلى صاحبه، وجاء في رواية عن قتادة أنهم عجوا إلى الله تعالى أربعين صباحا، حتى كشف ما نزل بهم، وأخرج أحمد في الزهد. وابن جرير. وغيرهما عن ابن غيلان قال: لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا: ما ترى؟ قال: قولوا: يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوها فكشف عنهم العذاب. وقال الفضيل بن عياض: قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت، وأنت أعظم وأجل، فافعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. وكان يونس عليه السلام إذ ذهب عنهم قعد في الطريق يسأل الخبر- كما جاء مرفوعا- فمر به رجل فقال له: ما فعل قوم يونس؟
فحدثه بما صنعوا فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم، وانطلق مغاضبا حسبما قصة الله في غير هذا الموضع كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وظاهر الآية يستدعي أن القوم شاهدوا العذاب لمكان (كشفنا) وهو الذي يقتضيه أكثر الأخبار، وإليه ذهب كثير من المفسرين، ونفع الإيمان لهم بعد المشاهدة من خصوصياتهم؛ فإن إيمان الكفار بعد مشاهدة ما أعدوا به إيمان يأس غير نافع، لارتفاع التكليف حينئذ، وعادة الله إهلاكهم من غير إمهال كما أهلك فرعون).
٢ - قال ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ ..
«والغرض أنه لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم ممن سلف من القرى إلا قوم يونس، وهم أهل نينوى، وما كان إيمانهم إلا تخوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم بعد ما عاينوا أسبابه، وخرج رسولهم من بين أظهرهم، فعند ما جأروا إلى الله، واستغاثوا به، وتضرعوا له، واستكانوا، وأحضروا أطفالهم ودوابهم ومواشيهم، وسألوا الله تعالى أن يرفع عنهم العذاب الذي أنذرهم به نبيهم. فعندها رحمهم الله، وكشف عنهم العذاب، وأخروا كما قال تعالى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ واختلف المفسرون هل كشف عنهم العذاب الأخروي مع الدنيوي أو إنما كشف عنهم في الدنيا فقط؟ على قولين: