وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ أي: كافرين منكرين للبعث. دلّ هذا على أن إنكار المشركين للبعث يستحقون به الهلاك، وفي ذلك إنذار لهم وتحذير.
وبعد هذا الإنذار والتحذير يقيم الله عليهم الحجة في هذا الشأن بقوله.
وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ فعلى مقتضى قولهم أنه لا بعث ولا حساب فإن السموات والأرض وما بينهما خلقت عبثا قال النسفي: (ولو لم يكن بعث ولا حساب ولا ثواب كان خلق الخلق للفناء خاصة فيكون لعبا) وتعالى الله عن اللعب والعبث والباطل.
قال تعالى: ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ أي: بالجدّ ضدّ اللعب وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أنه خلق لذلك، ومن ثم لا يؤمن بالبعث، ولو أنه علم تنزيه الله عن العبث، وعلم أن الله خالق السموات والأرض بالحقّ، لأيقن بالبعث والحساب ولكنّه لا يعلم، وبعد أن قامت الحجة على أن يوم القيامة آت لأن ذلك مقتضى خلق السموات والأرض بالحق، يحدثنا الله عزّ وجل عن هذا اليوم.
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ بين المحق والمبطل أي: يوم القيامة. مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ أي وقت موعدهم كلهم، يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق. فيعذّب الكافرين، ويثيب المؤمنين
يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى أي: ولي عَنْ مَوْلًى أي: عن ولي شَيْئاً أي: مهما كان قليلا.
قال ابن كثير: أي: لا ينفع قريب قريبا. وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ أي: لا ينصر القريب قريبه ولا يأتيه نصر من الخارج
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ أي: لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله. قال ابن كثير: أي: لا ينفع يومئذ إلا رحمة الله عزّ وجل بخلقه إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ أي: الغالب على أعدائه الرَّحِيمُ لأوليائه.
ثم أخبر تعالى عمّا يعذّب به الكافرين الجاحدين للقائه فقال: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ أي: الآثم في قوله وفعله واعتقاده، وهو الكافر، أي: ليس له طعام غيرها
كَالْمُهْلِ أي: كعكر الزيت يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ أي: الماء الحار الذي انتهى غليانه أي: من حرارتها ورداءتها.
خُذُوهُ أي: خذوا هذا الأثيم، والخطاب للملائكة قال ابن كثير: وقد ورد أنه تعالى: إذا قال للزبانية: خذوه ابتدره سبعون ألفا منهم فَاعْتِلُوهُ أي: فقودوه بعنف وغلظة قال ابن كثير: أي: سوقوه سحبا ودفعا في ظهره إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ أي: وسطها ومعظمها
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ قال ابن كثير: وقد تقدّم أنّ الملك يضربه بمقمعة من حديد فتفتح دماغه، ثم يصب الحميم على رأسه، فينزل في بدنه، فيسلت ما في بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه. أعاذنا الله تعالى من ذلك.
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي: قولوا له