الْخاسِرُونَ دليل على ما ذكرناه من كون السياق هنا يفصّل ما سبق ذكره في مقدمة المقطع، من أن الله هو الوكيل، وأنّ ذلك مرتبط بموضوع موقف الإنسان من كتاب الله، وإذا تقرّر أنّ الله عزّ وجلّ هو منزل الكتاب، وأنّه هو الوكيل، وأنّ محمدا صلّى الله عليه وسلم ليس وكيلا، فالسّياق الآن يتوجه آمرا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقول للجاهلين الذين لم يهتدوا بهدي الله:
قُلْ يا محمد أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أي: أفغير الله أعبد بأمركم بعد هذا البيان أَيُّهَا الْجاهِلُونَ بتوحيد الله؟.
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ من الأنبياء لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الذي عملته قبل الشرك وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قال النسفي: (وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون؛ لأن الخطاب للنبي عليه السلام والمراد به غيره، ولأنه على سبيل الفرض.
والمحالات يصح فرضها، وقيل لئن طالعت غيري في السر ليحبطن ما بيني وبينك من السر.
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ هذا رد لما أمروه به من عبادة آلهتهم، كأنّه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته، بل فاعبد الله وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على ما أنعم به عليك
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: وما عظّموه حقّ تعظيمه، إذ دعوك لعبادة غيره، ورفضوا الاهتداء بكتابه، ثمّ نبّههم على عظمته، وجلال شأنه فقال: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً أي: والأرضون السبع كلها قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والقبضة بالمرّة من القبض، يعني أنّ الأرضين مع عظمهن وبسطتهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ والطّيّ ضدّ النّشر كما قال تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ* أي: ما أبعد من هذه قدرته وعظمته، وما أعلاه عمّا يضاف إليه من الشركاء.