يكون المعنى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم تسليط استئصال بالكلية وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة. وعلى هذا يكون النص ردا على المنافقين فيما أملوه ورجوه، وانتظروه، من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من
مصانعتهم الكافرين خوفا على أنفسهم منهم إذا هم ظهروا على المؤمنين، فاستأصلوهم. وقد استدل كثير من العلماء بهذه الآية على أصح قولي العلماء، وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر. ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه. كما استدل بعضهم بالآية على عدم جواز شهادة الكافر على المسلم. وقد سمى الله في الآية ظفر المسلمين فتحا تعظيما لشأنهم، لأنه أمر عظيم تفتح له أبواب السماء. وسمى ظفر الكافرين نصيبا تخسيسا لحظهم، لأنه لمظة من الدنيا يصيبونها.
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ. أي:
يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان، وإبطان الكفر، والمنافق من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، أو المعنى: يخادعون أولياء الله وهم المؤمنون، فجعل خداع أوليائه خداعا له، تشريفا للمؤمنين من باب «من آذى وليا فقد آذاني» وَهُوَ خادِعُهُمْ. أي: وهو فاعل بهم ما يفعل المغالب في الخداع حيث تركهم معصومي الدماء، والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في العقبى. وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى. أي: قاموا متثاقلين كراهية الصلاة. أما مجرد الغفلة فقد يبتلي بها المؤمن يُراؤُنَ النَّاسَ. أي: يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة، والمراءاة مفاعلة من الرؤية، لأن المرائي يريهم عمله، وهم يرونه استحسانا.
وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا. أي: ولا يصلون أصلا إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس، أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا نادرا. ولو كان هذا الذكر القليل خالصا لله لكان كثيرا، ولكنه ليس خالصا
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ. أي: مرددين، يعني ذبذبهم الهوى والشيطان بين الإيمان والكفر، فهم مترددون بينهما متحيرون. وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين، أي: يدفع فلا يقر. والمنافقون مترددون بين الكفر والإيمان. لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ.
أي: لا منسوبين إلى هؤلاء فيكونون مؤمنين، ولا منسوبين إلى هؤلاء فيسمون كافرين، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا. أي: فلن تجد له طريقا إلى الهدى، أو فلن تجد له طريقا ما أصلا، بل هو متقلب، كل يوم هو في طريق.