يقول الله تعالى آمرا عباده المؤمنين به، المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام، وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك زواجره ما استطاعوا من ذلك، وأن يجتنبوا ما يأمر الشيطان به. ثم خاطبهم جل جلاله محذرا بأنهم إن عدلوا عن الحق بعد ما قامت عليهم الحجج، فليعلموا أن الله عزيز في انتقامه، ولا يفوته هارب، ولا يغلبه غالب. ينتصر ممن كفر به. حكيم في أحكامه، ونقضه وإبرامه.
[المعنى الحرفي]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً: أي في الإسلام جميعا. قاله ابن عباس وأبو العالية، والربيع بن أنس. وهو الذي رجحه ابن كثير. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ: بالاقتداء به، والائتمار بأمره، والاتباع لوساوسه. إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ: أي ظاهر العداوة. قال مطرف:(أغش عباد الله لعبيد الله الشيطان). وما أوضح عداوته لمن تأمل ما يدعو إليه!!. وأي عدو أعدى ممن يدعوك إلى النار، ويوصلك إليها؟.
فَإِنْ زَلَلْتُمْ: أي ملتم عن الدخول في السلم مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ: أي الحجج الواضحة، والشواهد اللائحة على أن ما دعيتم إلى الدخول فيه هو الحق. فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: أي غالب لا يمنعه شئ من عذابكم. حَكِيمٌ: في أمره وحجته، لا يعذب إلا بحق.
[فائدة]
قرأ قارئ الآية الأخيرة، وختمها ب غَفُورٌ رَحِيمٌ. فقال أعرابي منكرا على القارئ:(الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل والعصيان، لأنه إغراء عليه). فانظر ما أدق هذا الفهم، وما أعظم هذا القرآن الذي لا يكون شئ فيه إلا على غاية الحكمة، والعلو. هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ. هذا الخطاب فيه تهديد للكافرين، وللذين يتبعون خطوات الشيطان، وللذين يزلون عن طريق الله. هذا تهديد لهم بيوم القيامة، لفصل القضاء بين الأولين والآخرين. فيجزي كل عامل بعمله. إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. فالصلة بين الآية وما قبلها واضحة.