للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه هي الحجة الثانية التي يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقولها لهم، وهذه الحجة يمكن أن تكون صياغتها إما على الشكل الأول، أو على الشكل الثاني، على حسب اتجاهات المفسرين في التفسير فلنر الآيات:

قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ معنى خالِصَةً أي سالمة لكم فالمعنى: إن كنتم تعتقدون أن الدار الآخرة لكم دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين فيما تقولون، لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها تخلصا من الدار ذات الشوائب، كما نقل عن العشرة المبشرين بالجنة أن كل واحد منهم كان يحب الموت ويحن إليه. هذا هو المعنى العام المتبادر إلى الذهن عند تلاوة الآية، وهو الذي يرجحه ابن جرير، ولكن هناك اتجاها آخر لابن عباس في الآية يرجحه ابن كثير ونحن هنا ننقل عبارة ابن جرير، وكلام ابن كثير مع شئ من الحذف. قال ابن جرير: فهذه الآية مما احتج الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم، وذلك أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى قضية عادلة فيما كان بينه وبينهم من الخلاف ..

فقال لفريق اليهود إن كنتم محقين فتمنوا الموت، فإن ذلك غير ضاركم إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان، وقرب المنزلة من الله لكم، بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذ تمنيتم فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا، ونصبها، وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جناته إن كان الأمر كما تزعمون من أن الدار الآخرة لكم خاصة دوننا، وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون، ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم، فامتنعت اليهود من ذلك لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت فذهبت دنياها؛ وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها .. ».

وقال ابن كثير: فأما على تفسير ابن عباس أي في تفسير قوله تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ أي ادعوا على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل قيل لهم كلام نصف: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحباؤه، وأنكم من أهل الجنة، ومن عداكم من أهل النار، فباهلوا على ذلك، وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة، فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة؛ لما يعلمون من كذبهم وافترائهم، وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويتحققونه. فعلم كل أحد باطلهم وخزيهم وضلالهم وعنادهم، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وسميت هذه المباهلة تمنيا لأن كل محق يود لو أهلك الله المبطل بالموت

<<  <  ج: ص:  >  >>