أمروا أن يكون سماعهم سماع طاعة، فكان سماعهم سماع عصيان، وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم، فداخلهم حبه، والحرص على عبادته، كما يتداخل الصبغ الثوب، وقوله فِي قُلُوبِهِمُ بيان لمكان الإشراب بِكُفْرِهِمْ أي بسبب كفرهم، واعتقادهم التشبيه. قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفر ومخالفة، فكيف تدعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق وكفركم بآيات الله وعبادتكم العجل من دون الله؟؟.
هم يدعون الإيمان، والإيمان يقتضي طاعة، وهم يعصون، هم يدعون الإيمان بالتوراة وليس في التوراة عبادة عجل، فأي إيمان هذا الذي يأمرهم بعبادة العجل وبمحبته؟ فإذا كان هذا هو إيمانهم الذي سول لهم مثل هذه القبائح فإنه هو هو نفس الإيمان الذي يسول لهم أفظع قبيح، وهو عدم الإيمان بالقرآن.
وقوله تعالى بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ من باب الأسلوب التهكمي، لأن الأصل في الإيمان ألا يأمر صاحبه بمثل هذا وفي قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ تشكيك في إيمانهم
وقدح في صحة دعواهم.
هذه أول حجة عليهم في هذه المجموعة تكمل حجج المجموعة السابقة عليهم في رفضهم الإيمان بحجة إيمانهم بالتوراة.
ثم تأتي الحجة الثانية.
ويتجه السياق إلى التحدي، ليضع اليهود على المحك في قضية الإيمان، ليثبت لهم بما لا يقبل الجدل أنهم غير مؤمنين، وأنهم كفرة، وذلك أنهم إذا كانوا صادقين في دعواهم من أنهم أهل الحق، وأنهم عباد الله المصطفون، وأنهم غير مكلفين بالاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يقتضي أن يكونوا هم المستحقين ثواب الله الذي أعده لأوليائه في الآخرة التي يؤمنون بها، والإنسان الذي يثق بهذا الثواب، ويعرف أن الآخرة خير من الدنيا، يتمنى هذه الآخرة، ويفضلها على الدنيا، وبالتالي فإن الموت أحب إليه من الحياة فهل هم كذلك؟ لا؛ إذن فهم كاذبون ..
أو يقال: من كان مطمئنا إلى أنه على الحق، وإلى أن غيره ليس كذلك، فهو على استعداد لأن يدعو الله أن يميت من كان على الباطل هو أو خصمه، وهو يفعل هذا وهو مطمئن إلى النتيجة، فإذا كان اليهود يرفضون هذا، فذلك علامة على أنهم يعلمون حق العلم أنهم على الباطل.