لما ذكر الله تعالى، الأبرار المؤدين النفقات، المخرجين الزكوات، المتفضلين بالبر، والصدقات لذوي الحاجات، والقرابات، في جميع الأحوال، والأوقات، شرع في ذكر أكلة الربا، وأموال الناس بالباطل. وأنواع الشبهات. فأخبر في الآية الأولى من هذه الفقرة كيف أن أكلة الربا لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلى بعثهم، ونشورهم، إلا كما يقوم المصروع حال صرعه، وتخبط الشيطان له. ذلك التخبط المعرف، المنكر. وإنما جوزوا بذلك لاعتراضهم على أحكام الله في شرعه. إذ اعترضوا على الله في تحريمه الربا، من أنه- في زعمهم- شبيه بالبيع. وهذا اعتراض منهم على شرع الله مع علمهم بتفريق الله بين هذا، وهذا. إذ هذا محرم، أفظع تحريم. وهذا مباح. والله هو العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون. وهو العالم بحقائق الأمور، ومصالحها. وما ينفع عباده فيبيحه لهم.
وما يضرهم فينهاهم عنه. وهو أرحم بهم من الوالدة بطفلها. ثم بين الله عزّ وجل أنه من بلغه نهي الله عن الربا، فانتهى، فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم. أي: قبل نزول هذا النص. ومن فعل الربا بعد بلوغه نهي الله عنه، فقد استوجب العقوبة، وقامت عليه الحجة، واستحق الخلود في النار.
وفي الآية الثانية من هذا المقطع يخبر تعالى أنه يمحق الربا. أي: يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله. فلا ينتفع به. بل يعدمه في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة. بينما هو جل جلاله، يبارك وينمي، ويكثر الصدقات، بأن يضاعف لأصحابها أجورهم. وإنما ذكر بركة الصدقة يوم القيامة، ولم يذكر تنمية الأموال المزكاة في الدنيا- مع أنه كائن- تبيانا لقصد أصحابها، وإشعارا بأن الدنيا هينة، وأن الآخرة هي الهدف. ثم ختم الله عزّ وجل هذه الآية بتبيان أنه لا يحب كل كفور القلب، أثيم القول والفعل. والمناسبة بين بداية الآية وخاتمتها، هي: أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة. فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل.