ثم جاءت الآية الثالثة التي أثنى بها الله على المؤمنين بربهم، المطيعين أمره، المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه، المقيمين الصلاة، والمؤدين الزكاة، ثم أخبر عما أعدلهم من الكرامة. وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون.
وقد ختمت الآية الثالثة بقوله تعالى: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ كما ختمت الفقرة السابقة، إشارة إلى أن هذه الفقرة امتداد لما قبلها.
فالمقطع واحد.
وقبل أن نتحدث عن المعنى الحرفي للآيات، نحب أن نعرف الربا، وحكمة تحريمه.
الربا هو فضل مال، خال عن العوض في معاوضة مال بمال، وأنواعه كثيرة. روى الحاكم عن ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها أن ينكح الرجل أمه. وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم». قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين. وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الربا سبعون جزءا. أيسرها أن ينكح الرجل أمه».
ولا شك أنه يدخل في هذه الأنواع الكثيرة، أنواع من الربا معنوية. كالاستطالة في عرض المسلم.
قال ابن كثير: وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم. وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:(ثلاث، وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهدا، ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من الربا) يفهم من هذا أن هناك أبوابا من الربا تحتاج إلى فقه أهل الاجتهاد حتى تعرف على ضوء نصوص الكتاب والسنة. ولا ننسى أن ما أدى إلى الحرام، فهو محرم.
وكما حرم الله الربا، حرم المسالك المفضية إليه، والوسائل الموصلة إليه. وتتفاوت أنظار المجتهدين بحسب ما وهب الله لكل منهم من العلم. فأدخل بعضهم في أبواب الربا، ما لم يدخله غيره. والذي يدل على أن الوسائل التي تفضي إلى الربا محرمة، ما رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا». قال: قيل له الناس كلهم؟. قال: «من لم يأكله منهم ناله من