الملك في صورة البشر ولم يره منهم على صورته غير النبي صلّى الله عليه وسلّم رآه كذلك مرتين مرة في الأرض بجياد ومرة في السماء، ولا يخفى أن هذا محتاج إلى نقل عن الأحاديث الصحيحة والذي صحّ من رواية الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم رأى جبريل عليه السلام مرتين كما ذكر على صورته الأصلية لكن ليس فيه أن أحدا من إخوانه الأنبياء غيره عليه الصلاة والسلام لم يره كذلك، ولم يرد هذا- كما قال ابن حجر وناهيك به حافظا في شئ من كتب الآثار، وأما رؤية النبي صلّى الله عليه وسلّم وكذا رؤية غيره من الأنبياء غير جبريل عليه السلام، على الصورة الأصلية فهي جائزة بلا ريب، وظاهر الأخبار وقوعها أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام، وأما وقوع رؤية سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم أقف فيها على شئ لا نفيا ولا إثباتا، وعدم رؤية جبريل عليه السلام لو صح لا يدل على عدم رؤية غيره، إذ ليست صور الملائكة كلهم كصورته عليه الصلاة والسلام في العظم، وخبر الخصمين والأضياف لإبراهيم. ولوط. وداود عليهم السلام ليس فيه دلالة
على أكثر من رؤية هؤلاء الأنبياء للملائكة بصورة الآدميين، وهي لا تستلزم أنهم لا يرونهم إلا كذلك وإلا لاستلزمت رؤية نبينا صلّى الله عليه وسلّم جبريل عليه السلام بصورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه مثلا عدم رؤيته عليه الصلاة والسلام إياهم إلا بالصورة الآدمية وهو خلاف ما تفهمه الأخبار».
أقول: إن التركيب النفسي والروحي والقلبي للرّسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يختلف، فهم بشر ولكنهم يوحى إليهم، ومن ثمّ فسنّة الله فيهم غير سنّته في بقية خلقه، ثمّ إن الآية تفيد أنّه لو أنزل ملك بناء على اقتراحهم لقضي الأمر، وتلك سنّة من سنن الله أنّه لو استجاب لاقتراح قوم بإنزال ملك وهو اقتراح متعنت فإنّه يأتيهم العذاب، فلا نحتاج إذن لبحث إمكان رؤية الملائكة بسبب من الآية.
٣ - [عوالم المخلوقات تحكمها سنن وقوانين ربانية]
فهمنا من الآيتين الأخيرتين أن لهذا العالم قوانين وسننا، وأن الملائكة في خلقتهم الكاملة لا يراهم البشر في قوانين هذا العالم إلا من خصّه الله بخصائص معيّنة كالرّسل، وهذا شئ واضح لأن الحواسّ البشرية محدودة بحسب القوانين الإلهية، فالأذن مثلا لا تستطيع أن تسمع الأصوات التي تقل ذبذباتها إلى ١٣ ذبذبة في الثانية، ولا تستطيع أن تسمع الأصوات إذا ارتفعت ذبذباتها فوق ٣٠٠٠٠ ذبذبة في الثانية، وكذلك العين لا ترى المادة إذا وصلت إلى حالة من الوجود لطيفة جدا، وكذلك إذا وصلت المادة إلى حالة من الكثافة مرتفعة جدا وقد حسب إينشتاين الحالة التي لا ترى فيها المادة إذا