إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ في أن يعطينا من فضله وقد تضمنت الآية آدابا جمة، إذ علمتنا الرضا بعطاء الله، والتوكل على الله وحده، وعلمتنا أن نرغب إلى الله وحده في التوفيق لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثال أوامره، وترك زواجره، وتصديق أخباره، والاقتفاء بآثاره،
ولما ذكر الله تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات، بين تعالى أنه هو الذي قسمها وحدد مصارفها وبين مواضعها التي توضع فيها فقال: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الفقير هو الذي لا يسأل لأن عنده ما يكفيه للحال، والمسكين الذي يسأل لأنه لا يجد شيئا فهو أضعف حالا منه هذا فهم الحنفية وعند الشافعي العكس وَالْعامِلِينَ عَلَيْها أي هم السعاة الذين يقبضونها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ على الإسلام وهم زعماء في قبائلهم. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على أن يسلموا وقوم منهم أسلموا فيعطيهم تقريرا على الإسلام أو لتشجيع أمثالهم على الإسلام وَفِي الرِّقابِ أي المكاتبون على مذهب الشافعية والحنفية. وعند المالكية والحنابلة الرقاب يدخل فيها أن يشتري رقبة فيعتقها استقلالا قال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة، والمكاتب: هو العبد الذي يتعاقد مع سيده على أن يشتري حريته في مقابل ثمن، فإذا أداه أصبح حرا وَالْغارِمِينَ أي الذين ركبتهم الديون بسبب مباح أو مندوب أو معصية وتابوا منها وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ أي فقراء الغزاة أو الحجيج المنقطع بهم، أو الغزاة الذين لا رواتب لهم وَابْنِ السَّبِيلِ أي المسافر المنقطع عن ماله ولو كان غنيا. قال ابن كثير:
وهكذا الحكم فيمن أراد إنشاء سفر من بلده وليس معه شئ فيعطى من مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أي فرض الله هذه الصدقات لهؤلاء الأصناف فريضة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمصلحة وبما يسع العباد وبما لا يشق عليهم حَكِيمٌ في الفرض والتوزيع وفي كل شئ وإنما وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ليدل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم، حسما لأطماعهم وإشعارا بأنهم بعداء عنها وعن مصارفها، فما لهم وما لها وما سلطهم على التكلم فيها ولمز قاسمها؟ واستعمال كلمة إِنَّمَا في ابتداء الآية يفيد قصر جنس الصدقات على الأصناف المعدودة أي: هي مختصة بهم لا تتجاوز إلى غيرهم كأنه قيل إنما هي لهم لا لغيرهم، واستعمل (اللام) للأصناف الأربعة الأولى، (وفي) للأصناف الأربعة الثانية، وأعاد ذكر (في) قبل الصنفين الأخيرين، ليفيد أن الأربعة الأخيرة أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره فنبه باستعمال (في) على أنهم