يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ: أي فرض. والقصاص عبارة عن المساواة. وأصله: من قص أثره، إذا تبعه. ومنه القاص، لأنه يتتبع الآثار والأخبار.
فِي الْقَتْلى: جمع قتيل. فصار المعنى: فرض عليكم المماثلة والمساواة بين القتلى.
والعبد مقتول بالعبد وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى. أي: والأنثى مقتولة بالأنثى. والكلام كله في القتل العمد. فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ أي: فمن ترك له من أخيه. وذلك بالعفو عن القتل، وقبول الدية، ف (من) ترجع إلى القاتل. والأخ هنا، ولي المقتول.
والعفو ضد العقوبة. وعبر بكلمة شئ ليفيد سقوط القتل، وقبول الدية. وذكر الأخوة في هذا المقام بعث لأهل القتيل على العطف على القاتل لما بينهما من الجنسية والإسلام.
وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ أي: وليؤد القاتل بدل الدم، أداء بإحسان، بألا يمطله ولا يبخسه. فالولي إذا أعطي له شئ من مال أخيه- يعني القاتل- بطريقة الصلح، فليأخذه بمعروف من غير تعنيف. وليؤده القاتل إليه من دون تسويف. ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ أي: هذا المذكور، من العفو وأخذ الدية، تخفيف من الله ورحمة عليكم، ورحمة بكم. فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ أي: من قتل، وثأر، بعد أخذ الدية أو قبولها. فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ أي: موجع شديد في الآخرة.
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص، حياة عظيمة، وأي حياة؟. وذلك مما يؤدي إليه- القصاص بالقتل- من الردع عن القتل. فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل من القتل. فكان في شرع القصاص سبب حياة النفسين على الأقل. فإذا أضفنا قضايا الثأر غير المعقول من قتل غير القاتل ثأرا كما هي عادتهم في الجاهلية عرفناكم في القصاص من حياة يا أُولِي الْأَلْبابِ أي: يا أولي العقول والأفهام. دل ذلك على أن غير أولي العقول هم الذين لا يرون القصاص، وتالله إنهم لكذلك، وما أكثرهم في عصرنا، وما أكثرهم في بلادنا.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: أي: لعلكم تنزجرون وتتركون محارم الله ومآثمه، ومنها القتل.
قال القرطبي:(والمراد هنا- أي بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ- القتل، فتسلمون من القصاص. ثم يكون ذلك داعية لأنواع التقوى في غير ذلك. فإن الله يثيب بالطاعة على الطاعة).