للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: إنّ كثيرين من المفسرين لم يعرّجوا على هذا الموضوع لرؤيتهم أنّ الأمر أوضح من أن يعرّج عليه، ولذلك فقد اكتفوا بتقرير أن آزر هو أبو إبراهيم، والملاحظ أن الألوسي يميل إلى ترجيح القول بأن آزر عمّ وليس أبا.

[فصل في تحليل العقاد في الجمع بين اسم آزر وتارح]

قال «فإن إبراهيم قد انحدر إلى أرض كنعان من أرض أشور، واعتقد شراح الكتب الإسرائيلية في غير موضع أن الآباء الأوّلين ينسبون إلى بلادهم أو أممهم كما يقال: ابن مصر، وابن أوربة، وأبناء الشرق، وأبناء الغرب، وأبناء النيل.

فإذا نسب إبراهيم إلى آشور فمن الجائز جدا أن يكون تارح وآزر لفظين مختلفين لاسم واحد، كما انتسب القوم إلى اسم جد قديم كما يقال في النسبة إلى عدنان وقحطان. ونظرة واحدة في اسم آشور ونطقها إلى اليوم في العراق وسورية تقرّب لنا هذا الاحتمال الذي يبدو بعيدا لأول وهلة.

فقد كتبت آشور تارة آزور، وتارة أثور، وتارة أتور بالتاء، وتارة أسور بالسين ..

ولا يخفى كذلك أن كلمة تارح تنطق تيرح على لسان الكثيرين من الناطقين باللغات السامية، وتنطق تيرا وتيره عند الذين لا يستطيعون النطق بالحاء ..

فإذا لاحظنا ذلك كله فليس أقرب من تحويل أتور وأتير إلى تيره وتيرح، وقد وردت في تاريخ يوسيفوس بغير الحاء، ووردت في تاريخ يوسيبوس أثور، وهو مكتوب باليونانية، وقد ورد في التوراة اسمان بمعنى الأميرة أحدهما بالحاء وهو سارح (٤٦ تكوين) والآخر بغير الحاء وهو سار أو ساره ..

ومؤدى هذا أن (آزر) هي النطق الصحيح الذي عرف به اسم أسور القديم، وأن تيره وتيرح هي نطق الذين يكتبونها أتيره أو تيرح، وينطقون بكلمة أتور بين الواو والياء. روى صاحب (المزهر) عن الأصمعي أن رجلين «اختلفا في الصقر فقال أحدهما بالصاد وقال الآخر بالسين، فتراضيا بأول وارد عليهما فحكيا له ما فيه، فقال: لا أقول كما قلتما إنما هو الزقر، وعلى هذا يتخرج جميع ما ورد من التداخل نحو قلى يقلي وسلى يسلي».

وإذا اختلفت الحروف في اللهجة العربية الواحدة هذا الاختلاف فلا محل للجزم

<<  <  ج: ص:  >  >>