للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الآيات العظيمة، الدالة على قدرة الله تعالى، وأنّه على ما يشاء قادر، ولا يعجزه شئ، أعجب من أخبار أصحاب الكهف. والكهف: هو الغار الواسع في الجبل، وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون، وأما الرقيم: فيحتمل أنه اسم القرية، أو اسم الوادي، أو اسم كتاب كتب في شأنهم ووضع على باب غارهم، أو اسم الجبل الذي فيه الكهف، أو اسم كتاب كان معهم. قال سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف، ثم وضعوه على باب الكهف، واختلفت الروايات عن ابن عباس فيه، ومن الروايات عنه: أنه واد قريب من أيلة (من فلسطين). ويحتمل أن الوادي أخذ اسمه من اللوح الذي تحدث عنه سعيد بن جبير.

قال ابن كثير: «ولم يخبرنا (أي الله) بمكان هذا الكهف في أيّ البلاد من الأرض، إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي، وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالا، فتقدم عن ابن عباس أنه قال هو قريب من أيلة. وقال ابن إسحاق هو عند نينوى. وقيل ببلاد الروم، وقيل ببلاد البلقاء أي في الأردن، والله أعلم بأيّ بلاد الله هو، ولو كان فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى ورسوله إليه. فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما تركت شيئا يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أعلمتكم به». فأعلمنا تعالى بصفته ولم يعلمنا بمكانه.

إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ. فرارا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم، فهربوا منهم، فلجأوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم فَقالُوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي هب لنا من خزائن رحمتك رحمة ترحمنا بها، وتسترنا عن قومنا وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً.

أي وقدّر لنا من أمرنا هذا رشدا أي اجعل عاقبتنا رشدا، أي وهيئ لنا من أمرنا الذي نحن عليه من مفارقة الكفار رشدا حتى نكون بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا رشدا كله، أو يسر لنا طريق رضاك

فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً أي سنين ذوات عدد. قال الزّجّاج: أي تعد عددا لكثرتها، لأن القليل يعلم مقداره من غير عدد، فإذا كثر عدّ فأما (دراهم معدودة) (التي وردت في قصة يوسف) فهي على القلة؛ لأنهم كانوا يعدّون القليل ويزنون الكثير. والمعنى: ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة. ومعنى فضربنا على آذانهم: أي ضربنا عليها حجابا من النوم يعني: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أي أيقظناهم من رقدتهم تلك لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أي المختلفين في مدة لبثهم، إما منهم ساعة الاستيقاظ، أو من غيرهم أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. أي عددا أو غاية،

<<  <  ج: ص:  >  >>