للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخبر الصحيح على خيانتهما، فليقم اثنان من الورثة المستحقّين للتركة- وليكونا من أول من يرث ذلك المال- فيقسمان بالله: إن قولنا: إنهما خانا أحق وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة، وما اعتدينا فيما قلنا فيهما من الخيانة، وإن كنا قد كذبنا عليهما فإنّا إذا لمن الظالمين. ثمّ بيّن الله- عزّ وجل- حكمة هذا الحكم الأخير وهي أنّ ذلك أقرب أن يقيم الشاهدان الأصليّان الشهادة على الوجه الأصلي؛ فيحملهما على الإتيان بها على وجهها تعظيم الحلف بالله، ومراعاة جانبه، وإجلاله، والخوف من الفضيحة بين الناس، إن ردّت اليمين على الورثة فيحلفون ويستحقون ما يدّعون، ثمّ ختم الله هذا بالأمر بتقواه، والأمر بالسمع والطاعة له، مبيّنا أنه لا يهدي القوم الفاسقين أي:

الخارجين عن طاعته والمتابعة لشريعته. وختم هذا المقطع كله بقوله تعالى وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يذكّر بقوله تعالى: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ من آيتي سورة البقرة اللتين قلنا عنهما: إنهما محور سورة المائدة ضمن السّياق القرآني العام، ولا شك أن هذا المقطع قد بين جوانب من الفساد في الأرض، كتحريم الحلال، والاعتداء، وكالخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، والصيد حالة الإحرام، والسؤال في غير محله، وتحريف الشهادة، كما بيّن جوانب من الفسوق عن أمره لا يهدى معها أصحابها.

[ملاحظات حول السياق]

رأينا أن هذا المقطع ابتدأ بالكلام عن الأيمان، وانتهى بكلام عن نوع من الأيمان وهذا يشير إلى وحدة المقطع، وقد رأينا في هذا المقطع قوله تعالى: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ وكنّا رأينا من قبل أن المقطع السابق على هذا المقطع قد ابتدأ بقوله تعالى:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فذكر البلاغ في هذا المقطع يشير إلى أن هذا المقطع استمرار للمقطع السابق، وهذا يؤكد ما قلناه من قبل إن القسم الثالث من سورة المائدة يتألف من مقطعين، وأن القسم الثالث كله هو في أمور تدخل في باب البلاغ، ومن هنا ندرك سرّ تعرّض السورة في أوائلها لبعض المعاني مجملة، ثمّ تفصيلها في قسمها الأخير، هناك جاءت في سياق، وهاهنا تأتي في سياق، هناك تأتي في سياق الأمر بالوفاء بالعقود، وهاهنا تأتي في سياق الأمر بالبلاغ، ونكرّر هنا ما قلناه من قبل من أنّ على الدّعاة إلى الله أن يلاحظوا إذن أهمية التركيز على تبليغ معاني القسم الثالث في مقطعيه، مع ملاحظة أن المقطع الأوّل في جملته تركيز على معان يتوجّه فيها الخطاب لغير

<<  <  ج: ص:  >  >>