كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة، كالأعمى والبصير لا يستويان، بل بينهما فرق وبون كبير، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحياء ولا الأموات. وهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنين وهم الأحياء، وللكافرين وهم الأموات). أقول: المؤمن بصير، والإسلام نور، والظل الحق، والإيمان حياة، والكافر أعمى، والكفر ظلمات، والباطل نار على أهله، والكفر موت، ولا مساواة بين هذا وهذا، ومع ذلك فإن كثيرين يفضلون العمى والظلمة، والنار والموت على الإبصار والنور والظل والحياة. قال ابن كثير:(فالمؤمن بصير سميع في نور يمشي على صراط مستقيم في الدنيا والآخرة، حتى يستقرّ به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى وأصمّ في ظلمات يمشي لا خروج له منها، بل هو يتيه في غيّه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم). إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ أي يهديهم إلى سماع الحجّة وقبولها والانقياد لها وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم- وهم كفار- بالهداية والدعوة، كذلك هؤلاء الكافرون، الذين كتب عليهم الشقاوة، لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم
إِنْ أي ما أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ أي إنما عليك البلاغ والإنذار، والله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء. أي ما عليك إلا أن تبلّغ فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع، وإن كان من المصرّين فما عليك لأن ذلك من شأن الله وحكمته وعدله أنه يهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الإضلال
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ أي إرسالا مصحوبا بالحق بَشِيراً للمؤمنين وَنَذِيراً للكافرين وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ أي وما من أمة قبل أمتك إلا مضى فيها نذير، يخوفهم وخامة الطغيان، وسوء عاقبة الكفران. قال ابن كثير:(أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ أي وإن يكذبك من أرسلت إليهم فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من أرسلوا إليهم جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي المعجزات الباهرات، والدلائل القاطعات وَبِالزُّبُرِ أي الكتب والصحف وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ أي الواضح البيّن، كالتوراة والإنجيل والزبور، فلم يكن تكذيبهم لعلة؛ فالحجة واضحة
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي بالعقاب والنكال بعد تكذيبهم رسلهم، مع كل ما جاءوا به فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم، وتعذيبي لهم. قال ابن كثير: (أي