للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو امتداد للكلام عن خلق الأشياء لصالح الإنسان. وههنا يذكر الله- عز وجل- شرط حلّ الذبائح، ثم يسير المقطع مقيما الحجّة على الكافرين حتى ينتهي بذكر ما حرم أهل الجاهلية على أنفسهم، مما يتناقض مع إباحة الله الأشياء للإنسان وارتباط ذلك بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً واضح المعالم، وسنرى أن المقطع الثاني من القسم استمرار للكلام عما خلق الله من أجلنا وعن موضوع التحريم. ولنبدأ عرض المعاني العامّة للمقطع:

[المعنى العام]

يبتدئ المقطع بالإخبار عن الله أنه فالق الحب والنوى، أي أنه سبحانه الذي يشقه في الثرى فتنبت منه الزروع على اختلاف أصنافها، من الحبوب والثّمار على اختلاف ألوانها وأشكالها وطعومها، ويخرج النبات الحي من الحب والنّوى اللذين هما كالجماد الميت، ويخرج الولد الصالح من الفاجر، والفاجر من الصالح، والحي من الأرض الميتة، والميت مما هو حي. هذا كله فعل الله، وفاعله هو الله وحده، فكيف يصرف الناس عن الحق ويعدلون عنه إلى الباطل؛ فيعبدون معه غيره، أو يكفرون به، ومن هذه البداية في هذا المقطع ندرك كيف أن المقطع يفصّل في محور السورة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً .... وسنرى ذلك واضحا في كل ما يأتي.

- ثم أخبر تعالى أنه خالق الضياء والظلام، فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرّة الصباح، فيضئ الوجود، ويستنير الأفق، ويضمحل الظلام، ويذهب الليل بسواده وظلام رواقه، ويجئ النهار بضيائه وإشراقه، وذلك من آثار قدرته- عز وجل- على خلق الأشياء المتضادّة المختلفة، الدّالة على كمال عظمته وعظيم سلطانه. وكما أنه فلق الإصباح، فقد جعل الليل ساجيا مظلما لتسكن فيه الأشياء، وجعل الشمس والقمر بحساب مقنّن مقدّر، لا يتغيّر ولا يضطرب، بل لكل منها منازل يسلكها ضمن النظام الدقيق للمجوعة الشمسية مع الأرض، مما يترتب عليه ما يترتّب، والجميع جار بتقدير العزيز الذي لا يمانع ولا يخالف، العليم بكل شئ فلا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.

- وكما فعل هذا كله فقد جعل النّجوم ليهتدي بها الإنسان في ظلمات البرّ والبحر،

<<  <  ج: ص:  >  >>