أنه لا فائدة من إنذارهم لا بد من إقامة الحجة عليهم، وتحطيم كل شبهة يطرحونها وتبليغهم
والآن لاحظ أنه قد جاء في أول السورة قوله تعالى: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وها نحن نجد قبل الآية الأخيرة بآية قوله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ .... فالصلة بين ما ورد في أوائل السورة وبين آخرها صلة واضحة، فالإنذار الأخير المبدوء بقوله تعالى قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فَإِنْ تَوَلَّوْا ... إن هذا الإنذار هو الحصيلة النهائية التي تأتي كنتيجة لكل ما سبق.
ملاحظة: رأينا أن كلمة قالَ الواردة على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم تكررت مرتين والذي نحب أن نذكر به أنها كذلك على قراءة حفص التي مدار هذا التفسير عليها، إلا أنها في قراءات أخرى آتية بلفظ قل فلوا أننا ألزمنا أنفسنا بتفسير تلك القراءات لكان للسياق توجيهاته الأخرى، وعندئذ فالأمر لا يتناهى منه العجب، ولنا عودة على هذا الموضوع
[فوائد حول آيات المجموعتين الثامنة والتاسعة]
١ - بمناسبة قوله تعالى إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يذكر ابن كثير الحديث «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات أمهاتنا شتى وديننا واحد» وفي مقدمة كتاب الإسلام من سلسلة الأصول الثلاثة بينا كيف أن كل رسول بعث بالإسلام، وأن رسالات الرسل كلها تتفق في الأصول، وتختلف أحيانا في بعض الفروع، وفي الفصل الثالث من كتاب (الإسلام) تحدثنا عن كون الأمة الإسلامية أمة واحدة في كل شئ ومن ذلك تاريخها إذ أن كل رسول لله هو من هذه الأمة وإليه تنتسب هذه الأمة.
٢ - ذكرنا ماذا تعني آية وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ وأنها تعني: أن الكافرين تقطعوا أمر الأنبياء فيما بينهم بينما أمر الأنبياء واحد، وقد تجمع أمر الأنبياء كله في محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وتجمع كل هدي الأنبياء في القرآن. قال تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، فما لم يأخذ الإنسان القرآن كله، وما يقتد اقتداء كاملا برسول الله فإنه لا يكون قد أخذ أمر الأنبياء كله.