وقد نقلنا هذه المجموعة من النصوص ليفهم منها حدود المخمصة الواردة في الآية والتي تبيح الأكل مما حرّم.
يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ. أي: ماذا أحل لهم من المطاعم؟ والسائل عديّ بن حاتم، وزيد بن مهلهل حسب رواية ابن أبي حاتم. قالا: يا رسول الله قد حرّم الله الميتة فماذا يحلّ لنا منها؟ فنزلت يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ ... التّسلسل في السّياق واضح فبعد ذكر ما حرّم علينا من الخبائث يذكر الآن ما أحلّ لنا من الطيّبات قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ. أي: ما ليس بخبيث وهو: كلّ ما لم يأت تحريمه في كتاب الله أو سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أو إجماع الأمّة أو القياس. وبعضهم فسّرها في الآية بالذبائح المذكور
اسم الله عليها. وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ .... أي: أحل لكم الطيبات وصيد ما علّمتم من الجوارح أي من الكواسب للصيد من سباع البهائم كالكلب والفهد والعقاب والصقر والبازي والشاهين ومعنى مكلبين أي مؤدّبين. إذ المكلّب:
هو مؤدب الجوارح ومعلمها. لأن التأديب في الكلاب أكثر، فاشتق من لفظه لكثرته.
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ. أي: تعلّمون الجوارح مما علّمكم الله في حملهنّ على الصّيد لكم. فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ الإمساك على صاحبه هو علامة التعليم والتكليب والتأديب. ولوصول الجارح إلى مرحلة التأديب التي يجوز فيها أن يؤكل صيده علامة تختلف في سباع البهائم عنها في سباع الطير. فإنه يشترط في جوارح البهائم ما لا يشترط في جوارح الطير. أمّا علامته في الكلب وأمثاله فهو ألّا يأكل منه فإن أكل منه لم يحلّ، وأمّا في الطير فإن أكله منه لا يحرّمه لأنّ مجرّد أنسه بصاحبه وعوده له وصيده له علامة على تعليمه وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ. الضمير في عليه إمّا أن يعود على الصيد أو على الجارح فإن عاد على الصيد كان المعنى وسمّوا على المصيد إذا أدركتم ذكاته. وإن عاد على الجارح كان المعنى: وسمّوا عليه عند إرساله. وَاتَّقُوا اللَّهَ. أي: احذروا مخالفة أمره في هذا كله. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. أي:
إنّه محاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث.
[فوائد]
١ - [فائدة من قوله تعالى .. مِنَ الْجَوارِحِ .. ]
فهم بعضهم من قوله تعالى: الْجَوارِحِ أنه يشترط لحلّ الأكل من صيدها الجرح وقد مرّت معنا هذه المسألة ورأينا أنها قضيّة خلافيّة.