للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه. فالآية أكدت أنه لا بد من جهاد ولا بد من مفاصلة لأهل الكفر والشرك والنفاق.

وبعد أن استقر هذا كله يقرر الله حكما جديدا وهو وجوب منع المشركين من الحج فيقول: ما كانَ أي ما صح لهم وما استقام لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ وخاصة إمام المساجد: المسجد الحرام شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ باعترافهم أنهم غير مسلمين والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متضادين عمارة متعبدات الله، مع الكفر بالله وبعبادته أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا يؤجرون عليها وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ أي دائمون،

ثم بين الله المستحقين لأن يعمروا مساجد الله إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ العمارة المعنوية: بالعبادة والذكر والعلم، والعمارة الحسية من رم ما تهدم منها وتنظيفها، وتنويرها، وصيانتها وبنائها أصلا، وكل ذلك داخل في الآية مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ فاجتمع له الإيمان والعمل بالأركان وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ من صنم أو إله مزعوم أو بشر أو غير ذلك، والمراد الخشية في أبواب الدين، بألا يختار على رضا الله رضا غيره لتوقع مخوف؛ إذ المؤمن قد يخشى المحاذير خشية طبع، ولا يتمالك ألا يخشاها فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ المعنى: إن أولئك هم المهتدون، قال ابن كثير: كل عسى في القرآن فهي واجبة، ولكن ذكرها هنا يفيد تبعيد الهداية للمشركين، وحسم لأطماعهم في الانتفاع بأعمالهم؛ لأن إذا كان من ذكروا عسى أن يكونوا من المهتدين فكيف يكون حال المشركين.

وكما صحح السياق بعد فرضية قتال المشركين مفهوما خاطئا، فههنا كذلك بعد تحريم الحج على المشركين يصحح مفهوما أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ مع الشرك وهي من مكارم قريش في الجاهلية كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي أجعلتم أهل سقاية الحج، وعمارة المسجد الحرام أي سكناه، كالمؤمنين بالله المجاهدين في سبيله، وفي ذلك إنكار أن يشبه المشركون بالمؤمنين، وأعمالهم المحبطة بأعمالهم المثبتة، وأن يسوى بينهم، وقد جعل الله جل

جلاله تسويتهم ظلما بعد ظلمهم بالكفر، لأنهم وضعوا المدح والفخر في غير موضعيهما لذلك قال لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

ثم أكد عدم الاستواء فقال الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>