٣ - تعليق قصر الصلاة هنا على الخوف يشبه قوله تعالى في سورة النور: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً فكما أنه لا يفهم من التعليق بإرادة الإحصان جواز البغاء عند عدم إرادته فكذلك هنا، ومحل التوسع في فهم مثل هذه النصوص وغيرها كتب أصول الفقه.
٤ - هناك اتجاه آخر في فهم الآية، هذا الاتجاه يقول: إن الآيات على ظاهرها وليس المراد بها صلاة السفر والمسافر، وإنما المراد بها بيان جواز قصر الصلاة والصلاة بالقدر المستطاع في حالة كون المسلم خائفا في قتال، أو وهو مطارد من قبل الكافرين، أو وهو يحتمل المطاردة، فإنه في هذه الحالة كلها يقصر، وقد اختلف في حدود هذا القصر، قال ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة .. وقال جبير عن الضحاك: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه. وعلى هذا الاتجاه تكون الآية اللاحقة زيادة بيان للآية السابقة في تبيان حالة أخرى من حالات الصلاة في الخوف.
ولنعد إلى السياق: فقد رأينا أنه بمناسبة الكلام عن الهجرة ذكرت صلاة السفر، ولكن هذا الورود كان ضمن سياق القتال. وعلى هذا فإن الآية التالية تبين لنا صورة من صور الصلاة في القتال.
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ. أي: وإذا كنت يا محمد في أصحابك، فأردت أن تقيم الصلاة بهم. قال أبو يوسف: هذا النص خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صلاة خوف بعده صلى الله عليه وسلم وقال غيره: الأئمة نواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر، فكان الخطاب له متناولا لكل إمام، ودليله فعل الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم فالخطاب في الآية، وإن كان له صلى الله عليه وسلم، فهو يشمل كل أمير للمسلمين إلى يوم القيامة. فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ. أي: فاجعلهم طائفتين. فلتقم إحداهما معك، فصل بها، وتقوم طائفة تجاه العدو. وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ. أي: وليأخذ الجميع أسلحتهم. والمصلون يأخذون من السلاح، ما لا يشغلهم عن الصلاة فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ. قال الحنفية وكثيرون غيرهم في تفسيرها. أي: إذا قيدوا ركعتهم بسجدتين، فلترجع هذه الطائفة، لتقف بإزاء العدو حتى إذا انتهت الطائفة الثانية من صلاتها، تكمل الطائفة الأولى صلاتها في محلها، أو في مكان الصلاة الأول. وقال