من علم أيا كان نوعه يشهد على أن هناك خالقا مع الله. حتى يصح أن يعبد معه، هاتوا دليلا بينا على هذا المسلك الذي سلكتموه من عقل أو نقل أو تجريب إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم أن مع الله إلها آخر يعبد قال ابن كثير: أي لا دليل لكم- لا نقليا ولا عقليا- على ذلك.
كلمة في السياق:[حول مناقشة من لا يعبد الله وإقامة الحجة عليه]
لم يذكر الله عزّ وجل في مقدمة السورة موضوع العبادة بل قال وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ بينما جاء النقاش هنا منصبّا على عبادة غير الله، مما يدل على أن علة الكفر عبادة غير الله، وقد بين الله عزّ وجل في معرض نقض هذه العبادة أن العبادة لا تنبغي إلا للخالق، وليس هناك من دليل علمي أو نقلي يثبت أن مع الله خالقا، بل الدليل العلمي والنقلي على أن الله وحده هو الخالق، ومن ثم فإنه وحده يستحق العبادة، فليعبده الإنسان. وإذا تذكرنا أن محور السورة يبدأ بقوله تعالى في سورة
البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً إذا تذكرنا هذا عرفنا أن السورة بدأت تناقش من لا يعبد الله، وتقيم الحجة عليه، وقد رأينا كيف أن الحجة كانت قاطعة ومعجزة، ففي عصرنا ندرك أبعاد قوله تعالي أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ففي ذلك تحد كامل لكل كافر أن يستطيع أن يأتي بأدنى دليل علمي على أن غير الله قد خلق، فإذا كانت الكتب السماوية والعلم يشهدان أن الله هو الخالق، وأنه يجب أن يعبد وحده فكيف يفر الفارون من عبادته، وهاهنا نحب أن نسجّل فكرة، وهي أن الملحدين يدّعون أنهم علميون وعقليون، وكذبوا؛ فالإلحاد شرك من نوع جديد. فبدلا من أن يكون المشرك الوثني يعبد جزءا من الكون، فإن الملحدين خلعوا على مجموع الكون صفات الألوهية، من خلق ورزق وحكمة، وبدلا من أن يعبدوا أجزاء في الكون- كما فعل الوثني- عبدوا شهواتهم ونزواتهم وأهواءهم وآراءهم الفاسدة، ولنعد إلى التفسير:
فبعد أن أقام الله عزّ وجل الحجة على المشركين بهذا الشكل القاطع المعجز الذي رأيناه يبيّن في الآيتين التاليتين أنه لا أضل من هؤلاء:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا أي: يعبده مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام والأنداد والشركاء مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إن دعاه إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ مع عدم استجابتهم