للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى في سورة الذاريات فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الآية: ٣٠، ٣١) قد جعل الإيمان هو عين الإسلام. أما إذا أريد بالإسلام عمل الجوارح، وبالإيمان تصديق القلب، فعندئذ يكون الإسلام شيئا والإيمان شيئا آخر، كما ورد في حديث جبريل .. قال «أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ... قال فأخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه .. » ففي هذا الحديث الإسلام شئ والإيمان شئ آخر، وإن كان بينهما ارتباط في الواقع والحقيقة، وآية الحجرات أشارت إلى هذا التمايز بين الإسلام والإيمان، وبينت في الوقت نفسه أن الطريق إلى الإيمان القلبي هو عمل الجوارح، إذ قالت وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وهذا أصل كبير في التربية الإسلامية؛ فالقلب البشري يموت أو تسيطر عليه الغفلة، وطريق إحيائه العمل بالإسلام من ذكر وقراءة قرآن، وصلاة وإنفاق وصوم وحج، وغير ذلك من أعمال الإسلام، وبذلك ينتقل القلب من طور إلى طور آخر، حتى يصل إلى الإيمان الكامل، وإذا تأملت هذا الحديث تصل إلى هذه النتيجة: «القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط عليه غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق، عرف ثمّ أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق كمثل القرحة يمدها القيح والدّم، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» أخرجه أحمد وجوّد إسناده ابن كثير. إذا أدركت هذه المعاني كلها تدرك معنى قوله تعالى وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ فالإيمان لم يدخل بعد وهو على وشك الدخول إذا استمر العمل بالإسلام.

١٧ - [كلام ابن كثير عن أنواع المؤمنين في الدنيا]

بمناسبة قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قال ابن كثير (وروى الإمام أحمد .. عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:

«المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والذي إذا أشرف على طمع تركه لله عزّ وجل).

<<  <  ج: ص:  >  >>