للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلمة في السياق]

رأينا أن الفقرة فيها نهيان موجهان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحسبن»، «ولا يحزنك» وهما نهيان لكل الأمة. ومن هذا ندرك أن السياق الرئيسي في الفقرة هو التصحيح والتوجيه، تصحيح التصورات في شأن الشهداء، وتوجيه النظر إلى الحكمة في شأن المرتدين، وفي سياق النهي عن حسبان الشهيد ميتا عرضت علينا أخلاقية المؤمنين الذين يستأهلون البشارة، وعرض أيضا المرشحون للشهادة من خلال النموذج الكامل للإيمان.

فالمؤمنون الذين يستأهلون البشارة، والمرشحون للشهادة، هم الذين يستجيبون لداعي الجهاد في كل الظروف، وهم الذين لا تؤثر فيهم الحرب النفسية؛ لعمق توكلهم على الله- عزّ وجل- والذين لا يستجيبون لوساوس الشيطان في التخويف من أوليائه هؤلاء هم المؤمنون حقا.

فالفقرة إذن، عمقت مفهوم الإيمان عندنا، وأعطته مضمونا زائدا على ما مر، كما صححت تصورا في شأن الكفر والكافرين، وفي شأن المنافقين الذين يسارعون إلى الكفر، فالفقرة تتكامل معانيها، فتشكل وحدة فيما بين آياتها. وصلتها بالآية التي قبلها واضحة، فما قبلها هو:

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ .. هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ ... الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا.

فجاءت هذه الفقرة بعد ذلك مباشرة تبشر بما للشهداء، وتطالب بألا نحزن على الذين يسارعون في الكفر من هؤلاء المنافقين. ثم إن هذه الفقرة تأتي في سياق القسم الخامس من سورة آل عمران، والذي فيه وعد من الله للمؤمنين بالرعاية والنصر، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين. ومن ثم فهي تربي على المعاني التي ينال بها أهل الإيمان وعد الله بذلك، وتقدم نموذجا على فعل الله لأوليائه في أشد حالات الضيق إذ انتصروا بالرعب، كما تأتي هذه الفقرة بعد مقطع ينهى عن مشابهة الكافرين في بعض أقوالهم، فتكمل هذه الفقرة موضوع ما لا ينبغي أن تتوافق فيه تصورات أهل الإيمان مع أهل الكفر. والفقرة مع هذا كله، تفصل في محور سورة آل عمران من سورة البقرة، ففي أول سورة البقرة ورد قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>