الْفاسِقِينَ قال النسفي: أي: وليذل اليهود ويغيظهم أذن في قطعها. أقول: وسبق التعليل بالواو يفيد أن هناك مصالح أخرى في هذا التقطيع، أحدها إذلال أعداء الله عزّ وجل، وعدم استئصال الشجر كله فيه إشارة إلى أنه ليس المراد القطع أو التخريب لعينه، بل المراد مجرد الضغط والإذلال وانتزاع النصر مع الإبقاء على اقتصاد العدو سليما ليكون غنيمة للمسلمين، وهذا هو الأصل الذي لا يلجأ إلى غيره إلا في حالة وجود حكمة ومصلحة كما هو الحال في الوضع الذي نحن بصدد دراسته، وهذا المعنى من مقررات الحرب الحديثة، إذا كان انتزاع النصر يقتضي تخريب اقتصاد عدوك فدمره، وإلا فأبقه ليكون غنيمة لك
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ أي:
وما جعله الله فيئا لرسول الله من أموال بني النضير فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ الركاب: الإبل أي: فلم يكن ذلك بإيجاف خيل أو ركاب منكم والمعنى: فما أجهدتم على تحصيله والاستيلاء عليه خيلا ولا ركابا ولا تعبتم في القتال فيه وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ قال النسفي: يعني: إن ما خول الله رسوله في أموال بني النضير شئ لم تحصلوه بالقتال والغلبة، ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: هو قدير لا يغالب ولا يمانع؛ بل هو القاهر لكل شئ. قال ابن كثير في الآية:(يقول تعالى مبينا ما الفئ، وما صفته، وما حكمه؟. الفئ كل مال أخذ من الكفار من غير قتال، ولا إيجاف خيل، ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه، فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفاءه على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله- عزّ وجل- في هذه الآيات).
أقول: دلت الآية الأخيرة على أن المسلمين إذا قاتلوا استحقوا أربعة أخماس الغنائم، وقد ينفل الإمام المسلم المقاتل، أو المجموعة المقاتلة السلب كله تشجيعا لهم، أما إذا لم يقاتلوا، أو استولوا على أراض بدون قتال مباشر، فالأمر في هذه الحالة له أحكام خاصة ستفصلها الآيات اللاحقة.
قال تعالى: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى قال ابن كثير: أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قال