بشرا سويا، وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر، لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن إعادته، فما سبب تكذيبك بالجزاء، أو الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل؟ فما بمعنى: من).
أقول: إن ابن كثير لم يذكر إلا الاتجاه الأول مع ملاحظة أنه لا يفسر أَسْفَلَ سافِلِينَ بما ذكره النسفي. قال ابن كثير:(فما يكذبك- أي: يا ابن آدم- بعد بالدين أي: بالجزاء
في المعاد، ولقد علمت البداءة، وعرفت أن من قدر على البداءة فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى: فأي شئ يحملك على التكذيب بالمعاد، وقد عرفت هذا؟ روى ابن أبي حاتم عن منصور قال: قلت لمجاهد: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ عنى به النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله، عنى به الإنسان، وهكذا قال عكرمة وغيره).
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ قال ابن كثير:(أي: أما هو أحكم الحاكمين لا يجور، ولا يظلم أحدا؟ ومن عدله أن يقيم القيامة، فينتصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه) وقال النسفي: هذا وعيد للكفار، وأنه يحكم عليهم بما هم أهله، وهو من الحكم والقضاء) والله أعلم.
[كلمة في السياق]
١ - دللت السورة على اليوم الآخر بكمال خلق الإنسان، وبكمال عدل الله عزّ وجل، فكمال خلق الإنسان يقتضي تكليفا، وهذا يقتضي مجازاة للمحسن بإحسانه، وللمسيئ بإساءته، وهذا يقتضي يوما آخر، وكمال عدل الله يقتضي محاسبة، وفصل قضاء بين المحسنين والمسيئين، وهذا يقتضي يوما آخر، وأمام هذا وهذا فقد عجبت السورة من أن يوجد أحد يكذب باليوم الآخر.
٢ - بينت السورة أن الناجين هم المؤمنون العاملون، وأن الهلكى في ذلك اليوم هم من ليسوا كذلك. وفي ذلك دعوة إلى الإيمان والعمل الصالح.
٣ - إن القسم بالطور ومكة في سورة يتحدث بها عن اليوم الآخر واضح المناسبة فعدا عن كون كمال خلق الإنسان يدل على اليوم الآخر، فإن رسالات الله في الطور ومكة ومنابت التين والزيتون تؤكد ذلك.