للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجيهان أخيران يعمقان نفي الشك عن هذا القرآن، وضرورة الاهتداء به، وهما محور سورة يونس. وهذا تفسير الفقرة الأولى.

[الفقرة الأولى]

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي أنه حق فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ صنما أو بشرا، أو كونا أو مجتمعا أو معنى أو محسوسا، أو غير ذلك وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ أي يقبض أرواحكم وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي وأمرت بأن أكون من المؤمنين بما ركب الله في من العقل، وبما أوحى إلي في كتابه

وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً أي مائلا عن غيره إليه.

والمعنى: واستقم مقبلا بوجهك على ما أمرك الله، أو استقم إلى دين الله ولا تلتفت يمينا ولا شمالا، أي أخلص العبادة لله وحده، حنيفا أي: منحرفا عن الشرك كله وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لا اعتقادا ولا عملا ولا مواقف ولا سلوكا

وَلا تَدْعُ أي تعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ إن عبدته وَلا يَضُرُّكَ إن لم تعبده، أو ما لا ينفعك إن دعوته، ولا يضرك إن خذلته، فَإِنْ فَعَلْتَ أي فإن عبدت أو دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة غير الله- فكان الجواب أنه من الظالمين- وجعل من الظالمين لأنه لا ظلم أعظم من الشرك، وبعد أن أمره بالإيمان والإخلاص والتوحيد بالعبادة وإفراد الدعاء، تأتي الآية الأخيرة في هذه الفقرة لتقرر أن الذي يملك الضر والنفع هو الله وحده، فلا يمنع أحدا رغبة أو رهبة أن يترك عبادة الله إلى غيره.

وَإِنْ يَمْسَسْكَ أي يصيبك اللَّهُ بِضُرٍّ كفقر أو مرض أو شدة أو غير ذلك فَلا كاشِفَ لَهُ أي فلا رافع له إِلَّا هُوَ أي إلا الله وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ كعافية أو غنى أو استخلاف فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ أي فلا راد لمراده يُصِيبُ بِهِ أي بالخير مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ أي المكفر بالبلاء الرَّحِيمُ المعافي بالعطاء. قطع بهذه الآية على عباده طريق الرغبة والرهبة إلا إليه، والاعتماد إلا عليه، وذيلها بذكر اسمه الغفور والرحيم ليبين عموم توبته ومغفرته لمن تاب إليه من أي ذنب كان، حتى من الشرك به، فإنه يتوب عليه، وهذا من

كمال رحمته. وفي الآية بيان بأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله وحده لا يشاركه في ذلك أحد، فهو الذي يستحق العبادة والإخلاص فيها، والإفراد بالدعاء وحده لا شريك له، وإذ كان

<<  <  ج: ص:  >  >>