الاستغفار وعدمه، لأنهم لا يلتفتون إليه، ولا يعتدون به لكفرهم، أو لأن الله لا يغفر لهم لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ أي: ما داموا على النفاق إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ بسبب نقضهم لمواثيقهم مع الله، وبسبب قطعهم لما أمر الله به أن يوصل، وبسبب إفسادهم في الأرض، وهي مظاهر الفسوق كما رأيناها في سورة البقرة.
[كلمة في السياق]
زادتنا هذه المجموعة عن المنافقين وضوحا فعرفنا من خلالها أنهم فاسقون، أي:
تظهر فيهم علامات الفسوق كلها كما عرضتها سورة البقرة، كما عرفنا أنهم متصفون بالكبر والصدود عن أي دعوة خيرة لصالحهم الأخروي، وعرفنا الله عزّ وجل أنه لا ينفعهم استغفار الآخرين لهم حتى ولو كان المستغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما صلة المجموعة بمحور السورة من سورة البقرة، فالملاحظ أن الآيات التي نقلناها من أعماق سورة البقرة تنتهي بقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ وهاهنا ورد قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ... والصلة بين الموقفين واضحة، وكلها تعبر عن كبرهم، وقد حدثنا الله عزّ وجل في سورة البقرة عن مظهر من مظاهر هذا الكبر، وهاهنا يحدثنا عن مظهر آخر، وهكذا نرى كيف أن سورة المنافقون تفصل في محورها، وفيما هو امتداد لمحورها في سورة البقرة بشكل دقيق واضح، وبعد ذلك تأتي مجموعة رابعة تحدثنا عن نماذج من عداء المنافقين، وعن كيدهم للإسلام وأهله، فهي تكاد تكون تبيانا لقوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فيما مر معنا من السورة وتبيانا لقوله تعالى في سورة البقرة:
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ فلنر المجموعة الرابعة، مع ملاحظة أنها تعرض لنا نموذجين على عداء المنافقين، وسنذكر ذلك في الفوائد.