وادي القرى وبلاد الشام، ومساكنهم معروفة مشهورة. وقدمنا في سورة الأعراف الأحاديث المروية في مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم حين أراد ثغور الشام، فوصل إلى تبوك، ثم عاد إلى المدينة ليتأهب لذلك، وكانوا قبل عاد وقبل الخليل عليه السلام، فدعاهم نبيهم صالح إلى الله عزّ وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعوه فيما بلغهم من الرسالة، فأبوا عليه وكذبوه وخالفوه، وأخبرهم أنه لا يبتغي بدعوتهم أجرا منهم، وإنما يطلب ثواب ذلك من الله عزّ وجل، ثم ذكرهم آلاء الله عليهم) فقال:
أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا أي في الذي استقر في هذا المكان من النعيم آمِنِينَ من العذاب والزوال والموت، ثم فسر ما كانوا به
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ أي بساتين وينابيع
وَزُرُوعٍ يدخل في ذلك الحبوب وغيرها مما يزرع سنويا وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ الطلع: هو ما يخرج من النخل، كنصل السيف والهضيم: هو اللين النضيج، قال النسفي: كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره.
وَتَنْحِتُونَ أي وتنقبون مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ أي شرهين أشرين بطرين عابثين من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم، وهي معروفة على بعد حوالي أربعمائة كيلومتر من المدينة المنورة. ولا زالت تدهش من يراها لدقة صنعها، والحذاقة في ذلك، والجهد المبذول فيه
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ قال ابن كثير:(أي أقبلوا على ما يعود نفعه عليكم في الدنيا والآخرة، من عبادة ربكم الذي خلقكم ورزقكم؛ لتعبدوه وتوحدوه وتسبحوه بكرة وأصيلا)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ أي الكافرين أو المتجاوزين الحد.
ثم عرف هؤلاء المسرفين فقال:
الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بالظلم والكفر والصد عن سبيل الله وَلا يُصْلِحُونَ بالإيمان والعدل، وفي هذا دليل على أن فسادهم ليس معه شئ من الصلاح والإصلاح.
[ملاحظة]
إن قول صالح عليه السلام .. فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ* الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ يفيد أن الطاعة ينبغي أن تعطى للرسول صلى الله عليه وسلم كاملة، وأن لا تعطى لكل مسرف مفسد غير مصلح، وموضوع الطاعة من أخطر مواضيع العصر، فنادرا ما تجد مسلما يضع الطاعة في محلها، فهو إما متمرد على كل شئ، أو مطيع لمسرف أو يرفض الطاعة لأي أحد، أو لا يعرف لمن يعطي