فينقسم القوم إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا .. عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين، ولتمكن للمؤمنين في الأرض، ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته، غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة.
[الفوائد]
١ - من قوله تعالى: وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ فهم المفسرون أن المعرفة الدقيقة للتاريخ متعذرة، وبذلك شككوا بالكثير مما يذكره بعضهم من أنساب متصلة ضاربة في القدم. قال ابن كثير: وقال ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله أنه قال في قوله تعالى: لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ كذب النسابون. وقال عروة بن الزبير ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان.
٢ - قال ابن كثير في قوله تعالى: أَفِي اللَّهِ شَكٌّ: (وهذا يحتمل شيئين (أحدهما) أي أفي وجوده شك فإن الفطر شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده، ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال، فإن سبق شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما، فلا بد لها من صانع وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شئ وإلهه ومليكه؛ والمعنى الثاني في قولهم أَفِي اللَّهِ شَكٌّ أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى)
أقول: الملاحظ أنه في العصور المتأخرة أصبح نفي وجود الله- بله الشك به- هو الفلسفة التي تتبناها دول من أكبر دول العالم، وتروج لها وتزخرفها آلاف الكتب وملايين النشرات وتبني عليها مذاهب وتقوم عليها تكتلات، وعلى أهل الإيمان أن يقابلوا ذلك بما يكافئه
٣ - ذكر ابن كثير بمناسبة قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ ذكر بهذه