يُشْرِكُونَ والسادسة بقوله: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فدل ذلك على أن أسباب الشرك تعود إلى مساواة الله بغيره. وإلى الجهل وعدم التذكر، وعدم معرفة عظمة الله، وإلى الجهل بالدليل، فإذا اتضحت هذه المعاني الكبرى في المجموعة.
فقد آن لنا أن نقول:
بدأت السورة بقوله تعالى: طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ وبعد آيات قررت أن مصدر هذا القرآن هو الله عزّ وجل وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ وبعد أن ضرب الله عزّ وجل أمثلة على إلقائه الوحي، وإنعامه على الرسل، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يحمده، ثم أقام الدليل على عظمته وتوحيده واستحقاقه الحمد جل جلاله فعرفنا على ذاته العظيمة من خلال خلقه وعرفنا على حكمته وعلمه من خلال تعريفنا على أفعاله، وعرفنا على استحقاق رسله عليهم الصلاة والسلام للسلام، كيف لا وهم الذين بعثوا بالآيات والهداية، لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. ولاحظ كيف تكمل مجموعات السورة ومقاطعها بعضها بعضا؛ فالمجموعة الأخيرة عرفتنا على الله منزل القرآن وناصر الرسل.
والمجموعات الأربع التي سبقتها أرتنا نماذج على وحي الله ونصرة الرسل، وكل ذلك بعد المقدمة التي قررت أن هذا القرآن مصدره الله عزّ وجل، وأنه هو الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، والآن تأتي مجموعة جديدة لتخدم السياق الخاص للسورة، والسياق العام للقرآن بشكل معجز، ككل ما في هذا القرآن. إن المجموعة الجديدة تبدأ بالأمر قُلْ كما بدأت المجموعة الأولى، وهي تبني علي المجموعة الأولى وتناقش من لا يؤمنون بالآخرة، لأن عدم الإيقان بالآخرة علة لرفض القرآن، وتقيم الحجة على اليوم الآخر، وعلى كون هذا القرآن من عند الله، ومن خلال دراستها سنرى كيف أن مجموعات المقطع الثاني تخدم كل منها ما ورد في المقدمة بشكل من الأشكال، وكل ذلك يأتي بما يخدم محور السورة، وبما يحدد التكاليف المترتبة على ما تقرر في محور السورة، وكلها قضايا سنرى تفصيلاتها فيما يأتي. فلنر الآن المجموعة الثانية من المقطع الثاني.
[المجموعة الثانية]
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ أي لا يعلم أحد الغيب إلا الله. والغيب هنا هو ما لم يقم عليه دليل، ولا اطلع عليه مخلوق، كما قال النسفي.