(وتسمى سورة المسد، وهي مكية وآيها خمس بلا خلاف في الأمرين، ولما ذكر سبحانه فيما قبل دخول الناس في ملة الإسلام، عقبه سبحانه بذكر هلاك بعض ممن لم يدخل فيها وخسرانه.
على نفسه فليبك من ضاع عمره ... وليس له منها نصيب ولا سهم
كذا قيل في وجه الاتصال، وقيل هو من اتصال الوعيد بالوعد، وفي كل مسرة له عليه الصلاة والسلام. وقال الإمام في ذلك: إنه تعالى لما قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: إلهي فما جزائي؟ فقال الله تعالى: لك النصر والفتح، فقال:
فما جزاء عمي الذي دعاني إلى عبادة الأصنام؟ فقال: تبت يداه، وقدم الوعد على الوعيد ليكون النصر متصلا بقوله تعالى وَلِيَ دِينِ والوعيد راجعا إلى قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ على حد يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ الآية فتأمل هذه المجانسة الحاصلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من آخر ما نزل بالمدينة، وتبت من أوائل ما نزل بمكة لتعلم أن ترتيبها من الله تعالى وبأمره عزّ وجل ثم قال: ووجه آخر وهو أنه لما قال لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فكأنه قيل: إلهي ما جزاء المطيع؟ قال: حصول النصر والفتح، ثم قيل: فما جزاء العاصي؟ قال: الخسار في الدنيا والعقاب في العقبى، كما دلت عليه سورة تبت. انتهى وهو كما ترى).
[كلمة في سورة المسد ومحورها]
بعد الآيات الخمسة الآتية بعد مقدمة سورة البقرة والتي رأينا أنها كانت محورا للسور الثلاث السابقة: الكوثر، والكافرون، والنصر، يأتي قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
لاحظ كلمة أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ وأن سورة المسد تبدأ بقوله تعالى تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ قال ابن كثير:(أي وقد تحقق خسارته وهلاكه)، من هذه