حملة الإنجيل مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أي: فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هم يحزنون على ما خلفوه وراء ظهورهم. والمعنى: أنه من كان مسلما أو يهوديا في الأصل، أو نصرانيا أو صابئيا، قبل منه إسلامه، المتضمن للإيمان والعمل الصالح، وكوفئ. والمعنى: أن ما كان عليه الإنسان من قبل لا يضرّه إذا آمن وعمل صالحا بدخوله في الإسلام. أو المعنى: أن مسلمي هذه الأمّة، واليهود السابقين على عيسى، والنّصارى التابعين الحقيقيين لعيسى، والصابئين في حالة إيمانهم، وعملهم الصالح، الجميع من أهل الجنّة، وأهمّ شئ علينا أن نعرفه أنّ الإجماع منعقد على أنه لا يهودي ولا نصراني ولا صابئي بلغته دعوة رسولنا ثمّ لم يسلم إلا كان من أصحاب النار بعد ما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ويلاحظ أن كلمة «الصابئون» في الآية مرفوعة، وما قبلها منصوب، والتقدير:
«إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك» قال ابن كثير: «لما طال الفصل حسن العطف بالرّفع». قال النسفي:«وفائدة التقديم التنبيه على أن الصابئين وهم أبين هؤلاء المعدودين ضلالا، وأشدّهم غيّا يتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان فما الظّنّ بغيرهم».
لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: بالتوحيد وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا من أجل أن يوقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ بما يخالف هواهم، ويضادّ شهواتهم من ميثاق التّكليف والعمل بالشرائع فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ كأنّه قيل: كيف فعلوا برسلهم؟
فكان الجواب كلّما جاءهم رسول منهم ناصبوه إمّا بالتّكذيب وإمّا بالقتل
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ. أي: بلاء وعذاب أي: وحسب بنو إسرائيل أنهم لا يصيبهم من الله عذاب بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل، وقد ضمّن كلمة حسبوا معنى العلم لقوّته في صدورهم، ولذا دخل فعل الحسبان على (أن) التي يدخل عليها الفعل علم فَعَمُوا وَصَمُّوا. أي: فعموا عن الرشد، وصمّوا عن الوعظ، أو المعنى فلم يعملوا بما رأوا ولا بما سمعوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بأن رزقهم التوبة ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ أي: صمّ كثير منهم وعمي كثير منهم وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ. أي:
فيجازيهم بحسب أعمالهم
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ لم يفرّق عيسى عليه السلام بينه وبينهم في أنّه عبد مربوب ليكون حجّة على النّصارى إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ. أي: في عبادته غير الله فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ التي هي دار الموحّدين أي: حرمه دخولها