وحده للعبادة، ومن ثم نلاحظ أن الآية التالية تتحدّث عن الشكر والكفر.
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وعن أعمالكم وإيمانكم وأنتم محتاجون إليه لأنّكم أنتم الذين تتضررون بالكفر، وتنتفعون بالإيمان وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ أي: لا يحبه ولا يأمر به وإن كان بإرادته، لأنه لا يخرج شيء عن إرادته، فالإرادة في حق الله غير الأمر، وغير الرضا وَإِنْ تَشْكُرُوا بالإيمان والعبادة والعمل الصالح يَرْضَهُ لَكُمْ أي: يرضى الشكر لكم، لأنه سبب فوزكم، فيثيبكم عليه الجنة، قال ابن كثير:(أي: يحبه لكم ويزدكم من فضله) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي:
ولا يؤاخذ أحد بذنب آخر، أي: ولا تحمل نفس عن نفس شيئا، بل كل مطالب بأمر نفسه ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: فيخبركم بأعمالكم ويجازيكم عليها، فإنّه لا تخفى عليه خافية.
[كلمة في السياق]
قرّرت هذه الآية استحقاق الله عزّ وجل للشكر، وأن هذا الشكر لصالح الإنسان نفسه، وقررت أن كفر الإنسان لا يضر الله عزّ وجل، كما قررت أن كل نفس مسئولة عن نفسها، ومحاسبة على فعلها، وهي معان كلها مرتبطة بمعرفة الله عزّ وجل، ومرتبطة بمعاني العبادة، التي هي نقطة البداية في الاهتداء بهذا القرآن. والآن تأتي آية تذكّر الإنسان بأنّه في الضرّ يوحّد، وفي الرّخاء يكفر، وتهدده وتنذره.
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ أي: بلاء وشدة دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ أي: راجعا إلى الله بالدعاء، لا يدعو غيره ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ أي: أعطاه نِعْمَةً مِنْهُ أي: من الله عزّ وجل نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ أي: نسي ربه الذي كان يتضرّع إليه، أو نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه. قال ابن كثير:(أي: في حال الرفاهية ينسى ذلك الدعاء والتضرع) وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً أي: أمثالا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ أي: عن الإسلام، فهو في حال العافية يشرك بالله، ويدعو إلى الشرك