فله حكم آخر كما سنرى في الفوائد فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ قال النسفي: والجلد: ضرب الجلد، وفيه إشارة إلى أنه لا يبالغ ليصل الألم إلى اللحم، والخطاب للأئمة لأن إقامة الحد من الدين، وهي على الكل، إلا أنهم لا يمكنهم الاجتماع فينوب الإمام منابهم، وهذا حكم من ليس بمحصن، إذ حكم المحصن الرجم، وشرائط إحصان الرجم: الحرية، والعقل، والبلوغ، والإسلام، والتزوج بنكاح صحيح، والدخول وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ أي رحمة، وقيل الرأفة في دفع المكروه، والرحمة في إيصال المحبوب، والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله، ولا يأخذهم اللين في استيفاء حدوده، فيعطلوا الحدود، أو يخففوا الضرب فِي دِينِ اللَّهِ أي في طاعة الله أو حكمه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ هذا من باب التهييج وإلهاب الغضب لله ولدينه وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما أي وليحضر موضع حدهما- وتسميته عذابا دليل على أنه عقوبة- طائِفَةٌ أي فرقة تشكل حلقة ليعتبروا وينزجروا قال النسفي: وأقلها ثلاثة أو أربعة، وهي أي الطائفة صفة غالبة كأنها الجماعة الحافة حول شئ وعن ابن عباس رضي الله عنه أربعة إلى أربعين رجلا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من المصدقين بالله
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ قال النسفي: أي الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء وإنما يرغب
في خبيثة من شكله أو في مشركة، والخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة أو المشركين، فالآية تزهيد في نكاح البغايا إذ الزنا عديل الشرك في القبح، والإيمان قرين العفاف والتحصن ... وقدمت الزانية على الزاني أولا- أي الآية السابقة على هذه- ثم قدم عليها ثانيا- أي في هذه الآية- لأن تلك الآية سبقت لعقوبتهما على ما جنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له، ولم تمكنه، لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلا في ذلك بدئ بذكرها، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح، والرجل أصل فيه، لأنه الخاطب ومنه بدء الطلب وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي الزنا أو نكاح البغايا لقصد التكسب بالزنا أو لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواقع التهمة، والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة، ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام، فكيف كما قال النسفي:
(بمزاوجة الزواني والقحاب)
وبعد أن قرر الله عزّ وجل حد الزنا وحرمته وتنزه المؤمنين والمؤمنات عنه فقد ذكر حد القذف الذي شرع لحماية أعراض المؤمنين والمؤمنات أن