رأينا من قبل أن الله عزّ وجل تحدى الناس جميعا أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، وقد عجز الناس قديما وحديثا عن ذلك، وسيعجزون أبدا، ولنتأمل هذه السورة سورة الكوثر التي هي أقصر سورة في كتاب الله عزّ وجل. إنك عند ما تتأمل محلها مما قبلها ومما بعدها، وصلتها بالسياق القرآني العام القريب والبعيد، وانسجامها مع طريقة القرآن في عرض المعاني على تسلسل معين مما تحكمه محاور المجموعة من سورة البقرة، فإنك تجد عجبا، ثم إن السورة توجد فيها خصائص القرآن كله، فكلماتها أفصح الكلمات. حتى لو بحثت عن كلمة تحل محل كلمة من كلماتها، وتؤدي معناها وجمالها فإنك عاجز، ومعانيها هي الحق الذي لا ينقض فليس فيها شطحة خيال، وهي في الوقت نفسه مذكرة وواعظة، وهي مربية ومعلمة، ومشرعة ومبشرة، ومفصلة ومبينة، ومحكمة، وهي مع ذلك كله لا تتناقض مع بقية معاني القرآن، بل هي وإياه كلها تخرج من مشكاة واحدة وتصب في مصب واحد، ثم إن معانيها بقدر كلماتها، بل كلماتها وحدها هي التي تسع معانيها، فهل يستطيع أحد من البشر أن يأتي بسورة من مثل هذه السورة في مكانها وخصائصها؟!.
[الفوائد]
١ - بمناسبة قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه أنزلت علي آنفا سورة» فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حتى حتمها فقال: «هل تدرون ما الكوثر؟» قالوا الله ورسوله أعلم. قال:«هو نهر أعطانيه ربي عزّ وجل في الجنة، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول:
يا رب إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر، وأن آنيته عدد نجوم السماء وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي عن أنس، ولفظ مسلم قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذا أغفى