مع علمه بتعظيمهم لها، وفي كلامه هذا نموذج على الرشد الذي أوتيه من صغره،
ولما كان في سؤاله معنى الإنكار عليهم، وفيه طلب معرفة الدليل على عبادتهم، كان جوابهم قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ أي فقلدناهم، عجزوا أن يحتجوا على شركهم إلا بصنيع الآباء،
ولذلك كان جوابه: قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر، لا يخفى على عاقل، أي أنتم وهم في غير طريق مستقيم، فلما سفه أحلامهم، وضلل آباءهم، واحتقر آلهتهم
قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أي بالجد أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ أي أجاد أنت فيما تقول أم لاعب؟ استعظاما منهم إنكاره عليهم، واستبعادا لأن يكون ما هم عليه ضلالا، فعندئذ أقبل عليهم مخبرا بأنه جاد فيما قال، غير لاعب، مثبتا لربوبية الملك العلام، وحدوث الأصنام
قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي خلق السموات والأرض، أو خلق التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ المذكور من التوحيد مِنَ الشَّاهِدِينَ أي وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأكسرنها بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ أي بعد ذهابكم
فَجَعَلَهُمْ أي فجعل الأصنام جُذاذاً أي قطعا جمع جذاذة إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ أي للأصنام، أو للكفار لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ أي لعلهم إلى الكبير يرجعون فيسألونه عن كاسرها، فيتبين لهم عجزه، أو لعلهم يرجعون إلى إبراهيم ليحتج عليهم، أو لعلهم يرجعون إلى الله لما رأوا عجز آلهتهم
قالُوا أي حين رجعوا وشاهدوا ما فعله الخليل في أصنامهم من الإهانة والإذلال الدال على عدم إلهيتها، وعلى سخافة عقول عابديها مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي في صنيعه هذا أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الجديرة- عندهم- بالتوقير والتعظيم
قالُوا أي قال من سمعه يحلف أنه سيكيد أصنامهم سَمِعْنا فَتًى أي شابا يَذْكُرُهُمْ أي يعيبهم يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ أي اسمه إبراهيم
قالُوا أي من بيدهم الأمر فَأْتُوا بِهِ أي أحضروه عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ أي على رءوس الأشهاد في الملأ الأكبر، يحضره الناس كلهم لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ أي عليه بما سمع منه، أو بما فعله كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة ويمكن أن يكون المعنى: لعلهم يحضرون