خدمت قصة يونس سياق السورة بأن بيّنت أنّ يونس عليه السلام من الرسل الذين جاء محمد صلّى الله عليه وسلم لتصديقهم في الدعوة إلى التوحيد، كما خدمت السياق في تبيان أن الإيمان وحده مئنّة النّجاة من عذاب الله، وأن أحدا لا ينجو من المحاسبة إذا أخلّ؛ فهذا يونس عليه السلام تصرّف قبل الإذن فكان له هذا العقاب، وفي ذلك درس من دروس التوحيد الخالص سنراه في الفوائد.
نقل:[لصاحب الظلال بمناسبة ورود قصة يونس عليه السلام في سورة الصافات]
بمناسبة الكلام عن يونس عليه السّلام في سورة الصافات قال صاحب الظلال:
(وتذكر الروايات أن يونس ضاق صدرا بتكذيب قومه. فأنذرهم بعذاب قريب. وغادرهم مغضبا آبقا. فقاده الغضب إلى شاطئ البحر حيث ركب سفينة مشحونة. وفي وسط اللجة ناوأتها الرياح والأمواج. وكان هذا إيذانا عند القوم بأن من بين الركاب راكبا مغضوبا عليه لأنه ارتكب خطيئة. وأنه لا بد أن يلقى في الماء لتنجو السفينة من الغرق. فاقترعوا على من يلقونه من السفينة. فخرج سهم يونس- وكان معروفا عندهم بالصلاح. ولكن سهمه خرج بشكل أكيد فألقوه في البحر.
أو ألقى هو نفسه. فالتقمه الحوت وهو (مليم) أي مستحق للوم، لأنه تخلى عن المهمة التي أرسله الله بها، وترك قومه مغاضبا قبل أن يأذن الله له. وعند ما أحس بالضيق في بطن الحوت سبّح الله واستغفره وذكر أنه كان من الظالمين. وقال:
لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فسمع الله دعاءه واستجاب له. فلفظه الحوت. فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وقد خرج من بطن الحوت سقيما عاريا على الشاطئ. وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وهو القرع. يظلله بورقه العريض ويمنع عنه الذباب الذي يقال إنه لا يقرب هذه الشجرة. وكان هذا من تدبير الله ولطفه. فلما استكمل عافيته رده الله إلى قومه الذين تركهم مغاضبا. وكانوا قد خافوا ما أنذرهم به من العذاب بعد خروجه، فآمنوا، واستغفروا، وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبين: فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون. وقد آمنوا أجمعين).