وعمقت عندنا الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وبما أنزل من قبله، وحذرتنا مما يقابل ذلك، وكل ذلك في الأقسام الثلاثة الأولى. وجاءت الفقرة الأولى، من المقطع الأول، من القسم الرابع: تنهانا عن طاعة أهل الكتاب؛ لما يترتب على ذلك من الردة مبينة أن الكفر لا ينبغي لنا بعد وجود القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، وحضتنا على الاعتصام بالله، وأن في ذلك الهداية إلى الصراط المستقيم، ثم تأتي بعد ذلك فقرة تأمر بالتقوى، والموت علي الإسلام، والاعتصام بحبل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، مبينة أن ذلك هو طريق الفلاح، ثم تسير الفقرة في سياقها.
وبهذا تحدد لنا الفقرة طريق الهدى، وعلاماته، وطريق الفلاح، ومقتضياته، فلنتذكر أن الكلام عن المتقين في مقدمة سورة البقرة ختم بقوله تعالى أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إنه إذا كانت مقدمة سورة البقرة قد حددت صفات المتقين، والكافرين، والمنافقين، فإن القسمين الأخيرين من سورة آل عمران، يعمقان قضية التقوى، وقضية الكفر، ويحددان طبيعة الصراع بين الكفر والإيمان، ويوضحان ما لا يجوز لأهل الإيمان أن يفعلوه، ويعطيان دروسا حياتية كثيرة كمعالم على الطريق، وكل ذلك نراه في هذه السورة بما ترتبط به السورة بمحورها من سورة البقرة مع أن للسورة سياقها الخاص: فالصلة واضحة بين القسم السابق، وهذا القسم، فبعد أن ينتهي الحوار مع أهل الكتاب، يأتي نهي عن طاعتهم، وتأتي أوامر بالاعتصام بكتاب الله. وفي هذا السياق يأتي بيان عن أن أهل الكتاب لن يضرونا إلا أذى، وفي ذلك تطمين لنا أنه إذا لم نطعهم فلا خوف علينا. وهكذا فإن سياق السورة الخاص متلاحم الروابط.