للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقبول هذه الرحمة وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ أي لا تريدونها

وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على تبليغ الرسالة مالًا أي أجرة يثقل عليكم إن أديتموه إلي، أو يثقل علي إن أبيتم دفعه، وإنما أنا مبلغ عن الله، ومبتغ بذلك وجهه إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ فإنه المأمول منه عزّ وجل، وكأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه احتشاما وأنفة من المجالسة معهم، ونفاسة منهم أن يكونوا كهؤلاء، ولذلك قال: وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيشكونني إليه إن طردتهم، وهو مجازيهم إن كانوا مقصرين وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ أي تتسافهون على المؤمنين، وتدعونهم أراذل، أو تجهلون لقاء ربكم، أو تجهلون أن المؤمنين خير منكم

وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ أي من يمنعني من انتقامه إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أي أفلا تتعظون

وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ فأدعي فضلا بذلك وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ حتى أطلع على ما في نفوس أتباعي وضمائر قلوبهم وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ حتى تقولوا لي ما أنت إلا بشر مثلنا وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ أي تحتقرهم وتعيبهم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً أي ولا أحكم على من استرذلتم من المؤمنين لفقرهم أن الله لن يؤتيهم خيرا في الدنيا والآخرة لهوانهم عليه، مساعدة لكم ونزولا على هواكم اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ من صدق الاعتقاد، وإنما علي قبول ظاهر إقرارهم؛ إذ لا أطلع على خفي أسرارهم إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ إن قلت شيئا من ذلك، وهكذا رد عليهم ما قالوه.

هذا الرد البليغ الحازم الجازم اللطيف اللين- في الوقت نفسه- فلم تبق كلمة لهم إلا رد عليها، ولا زعما إلا دحضه، وبين موقفه الرباني الذي لا يتزحزح عنه، وعلمنا من جملة ما علمنا ألا نبيع المؤمنين بالمتكبرين، وألا يكون هذا محل مساومة مهما كان وضع المؤمنين، ومهما ادعي أن فيهم ما فيهم، وهذا درس عظيم للدعاة، فقد لا يستجيب لشأنهم إلا أقل الناس في مقاييس الناس، فهؤلاء ينبغي أن يكونوا عند الداعية أغلى الناس، وألا يميل عنهم إلى غيرهم.

[ولنعد إلى السياق]

فبعد أن قامت عليهم الحجة اتخذوا الموقف الذي يتخذه كل مبطل، وهو رفض الحق والإعراض عن أهله قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أي حاججتنا فأكثرت من ذلك فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ في وعدك

قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ أي ليس الإتيان بالعذاب إلي، وإنما هو إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>