لا تدعون أصم ولا غائبا، إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته». وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه وسبوا من أنزله وسبوا من جاء به، فأمره الله تعالى أن لا يجهر به لئلا ينال منه المشركون، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم وليتخذ بين الجهر والإسرار، وكذا قال في هذه الآية الكريمة وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ثم قال ابن كثير في تبيان المراد من الآية: بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال؛ لئلا يكونوا من الغافلين. ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون. فقال: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ الآية، وإنما ذكرهم بهذا ليقتدى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله عزّ وجل كما جاء في الحديث:«ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصف» وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع، وقد ورد في حديث رواه ابن ماجه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عدها في سجدات القرآن.
[كلمة في سياق هذا القسم]
اتضح لنا من خلال عرض المعنى العام ارتباط هذا القسم ببقية السورة في سياقها الخاص وضمن محورها العام والشئ الذي يمكن أن نذكره هنا. هو أن هذا القسم وضح أن موضوع الهداية والضلال مرتبط بمشيئة الله، فالضلال بإرادته والهداية بإرادته. غير إن للهداية سننا وللضلال سننا. فنقطة البداية في الضلال ترك النظر والتدبر والتفكر والاعتبار والإعراض عن الاستماع للحق والخير. وأن الشرك هو مرتكز الضلال. وأن منطلقات الهداية معرفة الله بأسمائه الحسنى والإعراض عن الكافرين به، والتوكل عليه، والتخلق بمكارم الأخلاق والالتجاء إليه، والفرار إليه من كيد الشيطان والإنصات إلى كتابه، وكثرة ذكره وعبادته.
كما أن القسم بين أنه لا حجة لكفر كما لا حجة لشرك، بل الحجة قائمة على الكافرين بأنواعهم.
كما أن القسم أعطانا نموذجا على أنواع من الضلال والضالين. وعرفنا على أن الهدى