استطاعة أبدان لَخَرَجْنا مَعَكُمْ وفي الآية دليل من دلائل النبوة لأنه أخبر بما سيكون بعد القفول فقالوا كما أخبر يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ أي بالحلف الكاذب وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي فيما يقولون
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ هذا من لطف العتاب إذ صدر بالعفو الخطاب لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ هذا بيان لما استحق به أن يخاطب بالعفو الذي يفيد سبق ما يحتاج إلى عفو، ومعناه: ما لك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ أي حتى يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا أي ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا في الجهاد أو في القعود عنه، فالمؤمن يندفع نحو الجهاد اندفاعا تلقائيا، فكيف إذا صدر الأمر بالنفير؟ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ قدم الجهاد بالأموال على الأنفس لأن الجهاد بالنفس لا يقوم إذا لم يسبقه جهاد بالمال وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ فليجاهدوا إذن وما دام الله يعلم جهادهم فأجرهم عنده حاصل
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعنى المنافقين فهم الذين لا يرجون ثواب الله وهم الذين يستأذنون بالقعود عن الجهاد وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي شكوا
في دينهم واضطربوا في عقيدتهم فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ أي في شكهم وحيرتهم يَتَرَدَّدُونَ أي يتحيرون لأن التردد ديدن المتحير، كما أن الثبات ديدن المتبصر
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ أي الجهاد أو للخروج عُدَّةً أي أهبة، فدل ذلك على أنهم من الأصل قد نووا القعود، أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يأذن وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ أي نهوضهم للخروج فَثَبَّطَهُمْ أي فكسلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث؛ عقوبة لهم ونظرا للمسلمين لأن ذلك في صالحهم والتثبيط التوقيف عن الأمر بالتزهيد فيه وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ أي قال بعضهم لبعض، أو قاله الشيطان بالوسوسة لهم وفي النص ذم لهم، وإلحاق لهم بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود في البيوت،
ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين، وأن في ذلك مصلحة المؤمنين لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا أي إلا فسادا وشرا لأنهم جبناء مخذولون وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي ولسعوا بينكم بالنمائم وإفساد ذات البين يطلبون بذلك أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ تحتمل وجهين: الأول: أي سماعون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم، والثاني: أي وفيكم مطيعون لهم ومستحسنون