أَمْ أَمِنْتُمْ أيها المعرضون عنا بعد ما اعترفتم بتوحيدنا في البحر، وخرجتم إلى البر أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ أي في البحر تارَةً أُخْرى أي مرة ثانية بأن يقوي دواعيكم، ويوفر
حوائجكم إلى أن ترجعوا فتركبوا البحر الذي نجاكم منه فأعرضتم، فينتقم منكم فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ القاصف: هي الريح التي لها قصيف وهو الصوت الشديد، أو هو الكاسر الذي يقصف الصواري ويغرق المراكب فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ أي بسبب كفركم وإعراضكم عن الله ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ بما فعلنا بكم تَبِيعاً أي مطالبا أو نصيرا ثائرا يأخذ بثأركم بعدكم، فمن الذي يطالب الله؟ فالمعنى: إنما نفعل ما نفعل بهم ثم لا تجد أحدا يطالبنا بما فعلنا انتصارا ودركا للثأر من جهتنا. وبهذا انتهى المقطع.
[كلمة في السياق]
رأينا أن محور السورة من البقرة هو قوله تعالى سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ الآتية في حيز قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
وإذ نتأمل المقطع الذي مر معنا نرى أنه قد حدثنا عن القرآن، وما به من الحجج ولم لا ينزل الله الآيات التي يقترحها الكافرون وهي في مقام سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ورأينا في المقطع ما تهدد الله أن يهلك كل قرية أو يعذبها وما يمكن أن يفعله بمن يكفرون نعمه، وهي معان في مقام وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ورأينا في المقطع مواقف الكافرين من القرآن ونفورهم وطغيانهم، وطغيان الشيطان ووسائله، وتلك معان لها علاقة بقوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ورأينا بعضا من أوامر الله. وهي أجزاء من الإسلام. ورأينا معاني تعمّق الإيمان بالقرآن والاستسلام لله وذلك من مقام ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ... وكل ذلك ضمن سياق رتيب للسورة، ترتبط به معاني المقطع ببعضها وبمقدمتها، ويرتبط بها المقطع بما قبله، إن في تعميق معاني التوحيد، أو في التركيز على خصائص هذا القرآن، أو بالصلة بين ما أنزل الله على محمد وما أنزل على موسى عليهما الصلاة والسلام.