فعائشة رضي الله عنها تستدل بهذه الآية على نفي الرؤية، وابن عباس يثبتها روى الترمذي والحاكم وغيرهما عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: رأى محمد ربه تبارك وتعالى، فقلت: أليس الله يقول لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ الآية، فقال لي: لا أمّ لك ذلك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شئ، وفي رواية: لا يقوم له شئ. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وفي معنى هذا الأثر ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا:«إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار حجابه النور- أو النار- لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».
وإن للمؤمنين لأشواقا إلى ربهم ومحبة له، وما أوجد الله الشوق للقائه وما افترض محبته على خلقه، وما جعل لذلك طريقه إلا وله مراد- عزّ وجل- في أن يذيقهم لذة النّظر إلى وجهه. وقد ردّ النسفي على المعتزلة قولهم بنفي الرؤية في الآخرة بقوله:
وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستتب، لأن المنفي هو الإدراك لا الرؤية، والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده، وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته، فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم. ونفي الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضي نفي العلم به، فهكذا هذا، على أن مورد الآية وهو التمدّح يوجب ثبوت الرؤية، إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدّح فيه، لأن كل ما لا يرى لا يدرك. وإنما التمدّح بنفي الإدراك مع تحقّق الرؤية، إذ انتفاؤه مع تحقّق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات، فكانت الآية حجة لنا عليهم.» اه.
أقول: والدّخول إلى عالم الإيمانيات بجدل الفلسفات مفسد للعقل وللقلب وللفطرة. فعالم الإيمان عالم تسليم بعد أن تقوم الحجة على صحة النقل وصحة الفهم وفي ذلك راحة العقل والقلب.
٣ - [قراءات ثلاث متواترة لقوله تعالى وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ]
في قوله تعالى: وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ثلاث قراءات متواترة: درست، ودارست، ودرست، وكل واحدة تعطي معنى يقوله الكافرون. أما الأولى: