فلففتها في عمامتي ودفنتها، فبينا أنا أمشي إذ ناداني مناد: يا عبد الله لقد هديت، هذان حيان من الجن بنو شعيبان وبنو قيس التقوا فكان من القتلى ما رأيت، واستشهد
الذي دفنته، وكان من الذين سمعوا الوحي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: فقال عثمان لذلك الرجل: إن كنت صادقا فقد رأيت عجبا، وإن كنت كاذبا فعليك كذبك).
فهم بعضهم من النصوص التي ذكرت بمناسبة الكلام عن جنّ نصيبين أن كل عظم هو غذاء للجن إلى قيام الساعة، وكل روث هو علف لدوابهم، والذي فهمته من النصوص أنّ ذلك كان معجزة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وكرامة لجنّ نصيبين فقط.
[نقل: عن صاحب الظلال حول موضوع الجن]
وقد تحدّث صاحب الظلال حديثا مسهبا عن الجن بمناسبة ذكرهم في السورة فقال:
(إن ذكر القرآن لحادث صرف نفر من الجن ليستمعوا القرآن من النبي- صلّى الله عليه وسلم- وحكاية ما قالوا وما فعلوا .. هذا وحده كاف بذاته لتقرير وجود الجن، ولتقرير وقوع الحادث. ولتقرير أن الجن هؤلاء يستطيعون أن يسمعوا للقرآن بلفظه العربي المنطوق، كما يلفظه رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- ولتقرير أن الجن خلق قابلون للإيمان وللكفران، مستعدون للهدى وللضلال .. وليس هنالك من حاجة إلى زيادة تثبيت أو توكيد لهذه الحقيقة؛ فما يملك إنسان أن يزيد الحقيقة التي يقررها الله- سبحانه- ثبوتا. ولكنا نحاول إيضاح هذه الحقيقة في التصور الإنساني. إن هذا الكون من حولنا حافل بالأسرار، حافل بالقوى والخلائق المجهولة لنا كنها وصفة وأثرا. ونحن نعيش في أحضان هذه القوى والأسرار نعرف منها القليل ونجهل منها الكثير. وفي كل يوم نكشف بعض هذه الأسرار وندرك بعض هذه القوى، ونتعرف إلى بعض هذه الخلائق. تارة بذواتها. وتارة بصفاتها. وتارة بمجرد آثارها في الوجود من حولنا. ونحن ما نزال في أول الطريق. طريق المعرفة لهذا الكون، الذي نعيش نحن وآباؤنا وأجدادنا، ويعيش أبناؤنا وأحفادنا، على ذرة من ذراته الصغيرة الصغيرة. هذا الكوكب الأرضي الذي لا يبلغ أن يكون شيئا يذكر في حجم الكون أو وزنه! وما عرفناه اليوم- ونحن في أول الطريق- يعد بالقياس إلى معارف البشرية قبل خمسة قرون فقط عجائب أضخم من عجيبة الجن. ولو قال قائل للناس قبل خمسة قرون عن شئ من أسرار الذرة التي نتحدث عنها اليوم لظنوه مجنونا، أو لظنوه يتحدث عما هو أشد غرابة من الجن قطعا!