ونحن نعرف ونكشف في حدود طاقتنا البشرية، المعدّة للخلافة في هذه الأرض، ووفق مقتضيات هذه الخلافة، وفي دائرة ما سخّره الله لنا ليكشف لنا عن أسراره، ولتكون لنا ذلولا، كيما نقوم بواجب الخلافة في الأرض .. ولا نتعدى معرفتنا وكشوفنا في طبيعتها وفي مداها .. مهما امتد بنا الأجل- ومهما سحر لنا من قوى الكون وكشف لنا من أسراره- لا تتعدى تلك الدائرة. دائرة ما نحتاجه للخلافة في هذه الأرض. وفق حكمة الله وتقديره. وسنكشف كثيرا، وسنعرف كثيرا، وستتفتح لنا عجائب من أسرار هذا الكون وطاقاته، مما قد تعتبر أسرار الذرة بالقياس إليه لعبة أطفال! ولكننا سنظل في حدود الدائرة المرسومة للبشر في المعرفة. وفي حدود قول الله- سبحانه- وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: ٨٥). قليلا بالقياس إلى ما في هذا الوجود من أسرار وغيوب لا يعلمها إلا خالقه وقيومه. وفي حدود تمثيله لعلمه غير المحدود؛ ووسائل المعرفة البشرية المحدودة بقوله: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (لقمان: ٢٧). فليس لنا- والحالة هذه- أن نجزم بوجود شئ أو نفيه. وبتصوره أو عدم تصوره. من عالم الغيب المجهول، ومن أسرار هذا الوجود وقواه، لمجرد أنه خارج عن مألوفنا العقلي أو تجاربنا المشهودة. ونحن لم ندرك بعد كل أسرار أجسامنا وأجهزتها وطاقاتها، فضلا عن إدراك أسرار عقولنا وأرواحنا! وقد تكون هنالك أسرار ليست داخلة في برنامج ما يكشف لنا عنه أصلا. وأسرار ليست داخلة في برنامج ما يكشف لنا عن كنهه، فلا يكشف لنا إلا عن صفته أو أثره أو مجرد وجوده، لأن هذا لا يفيدنا في وظيفة الخلافة في الأرض. فإذا كشف الله لنا عن القدر المقسوم لنا من هذه الأسرار والقوى. عن طريق كلامه- لا عن طريق تجاربنا ومعارفنا الصادرة من طاقتنا الموهوبة لنا من لدنه أيضا- فسبيلنا في هذه الحالة أن نتلقّى هذه الهبة بالقبول والشكر والتسليم. نتلقاها كما هي فلا نزيد عليها ولا ننقص منها. لأن المصدر الوحيد الذي نتلقى عنه مثل هذه المعرفة لم يمنحنا إلا هذا القدر بلا زيادة. وليس هنالك مصدر آخر نتلقى عنه مثل هذه الأسرار! ومن هذا النص القرآني. ومن نصوص سورة الجن. والأرجح أنها تعبير عن الحادث نفسه.
ومن النصوص الأخرى المتناثرة في القرآن عن الجن. ومن الآثار النبوية الصحيحة عن هذا الحادث. نستطيع أن ندرك بعض الحقائق عن الجن .. ولا زيادة .. هذه الحقائق تتلخص في أن هنالك خلقا اسمه الجن. مخلوق من النار. لقول إبليس في الحديث عن آدم: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (ص: ٧٦) .. وإبليس من