قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، المدّعين أنهّم على حق، وأنكم على الباطل مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا فهذا دعاء على الضال من الفريقين أي: فليمدّه في طغيانه، هكذا قرّر ذلك ابن جرير. فهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه، هذا اتجاه. والاتجاه الآخر في الآية تقديره:
من كفر مدّ له الرحمن أي: أمهله وأملى له في العمر ليزداد طغيانا، وإنما أخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب ذلك، وأنه مفعول لا محالة، وعلى الاتجاه الثاني يكون ذلك تهديدا للكافرين، وإنذارا لهم، وإقامة حجة عليهم، بأن إعطاء الدنيا لا يعني شيئا في موضوع الحق والضلال، ولذلك فمن سنة الله أن يمدّ لأعدائه ثم بيّن الله حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ إذن وقتذاك يكون العلم الحقيقي، من هم أهل الباطل، ومن هم أهل الحق مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً أي منزلا وَأَضْعَفُ جُنْداً أي أعوانا وأنصارا، هم أو المؤمنون؟ والعذاب الذي أوعد به الكافرين هو العذاب الرباني المباشر لهم في الدنيا، أو العذاب بأيدي المؤمنين قتلا أو أسرا، كما قال تعالى قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ (التوبة: ١٤) والمراد بالساعة: القيامة، وما ينالهم فيها من الخزي والنكال، فعند العذاب، أو الساعة يعلمون أن الأمر على عكس ما قدّروه، وأنهم شرّ مكانا وأضعف جندا، لا خير مقاما وأحسن نديا. والمعنى: إن الذين في الضلالة ممدود لهم في ضلالتهم، لا ينفكون عن ضلالتهم إلى أن يعاينوا نصرة الله المؤمنين، أو يشاهدوا الساعة، وعندئذ يعلمون أن موازينهم خاطئة، وأفكارهم ضالة.
ثم بيّن تعالى أنه كما يمد الضالين في ضلالتهم عقوبة، يزيد في هداية المهتدين مكافأة وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً أي ثباتا على الاهتداء، أو يزيدهم يقينا وبصيرة بتوفيقه. ثم قرر تعالى خلاف ما زعموه وما تصوروه وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أي أعمال الآخرة كلها، أو الصلوات الخمس أو سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً مما يفتخر به الكفار وَخَيْرٌ مَرَدًّا أي مرجعا وعاقبة، وهو رد لمزاعم الكفار إذ يقولون للمؤمنين أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
ملاحظة:[حول منطق الكافرين وكونه لا يتغير مع الزمن]
هذا المنطق للكافرين هو منطق أكثر الناس اليوم؛ إذ يحتج كثير من الناس بما عليه الشعوب الأوربية والأمريكية من رخاء على كفرهم، كدليل على أن الإسلام ليس